المجال العلمي، والأدهى من ذلك أنها نجحت في تحويل هؤلاء العلماء إلى موظفين في مؤسسة الإلحاد يدعمونها بما يرونه من مناهج علمية أو نظريات أو فرضيات أو اكتشافات، وذلك بعد تأويلها بالصورة المناسبة القابلة للتوظيف في ميدان الإلحاد. وبقدر ما يكشف النشاط القوي للتيارات الإلحادية، بقدر ما يكشف ضعف التيار العلمي أمام شبهات الملحدين، إن لم يكن يكشف هوى لدى بعضهم في إدخال الإلحاد داخل دائرة العلم.
وعندما نرجع إلى بداية الثورة العلمية نراها على صورة غير ما هي عليه في نهايات القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، فقد كان العلماء هناك يصرّون على إعلان تدينهم ويحرصون على تأويل النصوص والعقائد الدينية حتى لا تتعارض مع العلم، ويرون العلم يدعم الدين، أما في نهايات القرن الثالث عشر/ التاسع عشر فقد خُيّل للكثير أن العالم الحق لابد أن يكون ملحدًا، وأن العلم لا يمكن أن يتوافق مع الدين، ومن الأمثلة المعبرة عن هذا الوضع ما ذكره أحد المشتغلين بالعلوم الحديثة "ألبرت ماكومب" حيث يقول عن نفسه: "عندما كنت طالبًا بالجامعة وكنت قد قررت أن أدرس العلوم. وإنني لأذكر جيدًا كيف أخذتني إحدى عماتي جانبًا ذات يوم وتوسلت إليّ أن أعدل عن هذا القرار؛ لأن العلوم، كما كانت تعتقد، سوف تقضي على إيماني بالله. لقد كانت تعتبر، كما يعتبر الكثيرون، أن العلوم والدين قوتان متعارضان، وأنهما لا يمكن أن يجتمعا في قلب رجل واحد"(١). ومن الأمثلة أيضًا ما ذكره "أندروكونواي"(عالم فسيولوجي) بأنه كان في جلسة مع مجموعة من رجال الأعمال فقال أحدهم: "سمعت أن معظم المشتغلين بالعلوم ملحدون، فهل هذا صحيح؟ "، وتساؤل رجل الأعمال هذا وتحذير تلك العمة من عامة الناس؛ يوحي بمقدار انتشار تلك القضية بين الناس. ولا يخفى بأن انتشارها إلى هذه الدرجة له أثر سلبي؛ إذ تجد الداخلين الجدد إلى ميدان العلوم ينخرطون فيها بمثل هذا الوهم، وعندما يظهر لأحدهم شواهد ضدّ الإلحاد وحجج قوية تدعم الدين؛ يحاول صرف التفكير عنها خشية أن تقوده إلى شيء من الإيمان.
(١) الله يتجلى في عصر العلم ص ١١٠ و"ألبرت" متخصص في علم الأحياء، وانظر قريبًا من هذا اعتراف عالم فلكي فرنسي في كتاب: العلم والإيمان في الغرب الحديث، هاشم صالح ص ٢٩.