تنصب أولًا عن أثره في حفظ العلوم الدينية، أما العلوم الدنيوية، فتُسأل عنها الدولة ويُعاتب الأزهر في تأخره عن إعطاء التصور والرؤية حول العلاقة بالعلوم العصرية الموجودة في أوروبا، وتأخره عن وضع المعالجة الشاملة القوية للمشاكل الناجمة عن إدخال مثل تلك العلوم أو المتوقعة.
والرؤية الشاملة لا يعبر عنها بفتوى فقط، كما أن باب طلب العلوم النافعة ليس محصورًا بباب إعداد القوة الحربية، بل هناك أبواب أخرى يحتاجها المجتمع المسلم كالطب وأنواع من الصناعات والهندسة والإدارة وبناء المدن وأدوات ذلك وغيرها, ولا يكتفي في المعالجة الصحيحة للمشكلات برمي المشكلة على حلول قديمة قدمت ما يناسب عصرها من علماء مجددين وأئمة في الدين، إلا إذا تشابهت الحاجات، فعلى مثل هذا النقص كان يأتي العتب على الأزهر وغيره. ولذا عندما تأخر الأزهر وغيره عن تقديم المعالجات الشاملة للمشكلات جاءت الإجابات من خارجه، وتُرك المجال لغير علماء الشرع ليتحدثوا في مثل هذه الأمور.
مشكلات ذاتية للمؤسسات العلمية الإِسلامية:
يوصلنا التحليل السابق إلى نتائج مهمة في سياق المشكلة، فالأزهر كمؤسسة علمية لم يكن يعترض على العلوم الطبيعية والرياضية النافعة، بل يرى أنها من فروض الكفايات، ولكنه في الوقت نفسه لم يحقق هذا الفرض الكفائي بما يحوله إلى علم نافع للناس في حياتهم الدنيوية، ويعتذر الأزهر بضعف دعم السلطة له، أي: أنه أحال مشكلته إلى السلطة، والذي يظهر بأن هناك مشكلة أعمق لم يذكرها الشيخ، تتمثل بنوع العلم السائد في الأزهر وأثره في أهله وفي المجتمع فيما بعد، فمع اختراق التصوف والكلام والتقليد والتعصب المذهبي والجمود العلمي لحقل العلوم الدينية، امتد أثره إلى حقل العلوم الدنيوية رغم الاعتراف بأنها من فروض الكفايات، وهذا ما أجده أكثر ضررًا على المؤسسة العلمية؛ إذ انشغلت بعلوم التصوف والكلام، وظهر التعصب المذهبي مما عطل العلم النافع الديني والدنيوي.
فلم يُفَرق مثلًا بين النصوص التي تذمّ الدنيا والانشغال بها، وبين واجب القيام بتحقيق العلم الدنيوي النافع الذي يُحسّن من حياة الناس، وكذا يصنع منهم قوة أمام أعدائهم، ففي الجانب الأول -مما يُحسن حياة الناس- مثل علوم