وتحولت هذه المذاهب المادية إلى تيارات عريضة في الغرب، سواء على مستوى الفكر كما في "الدارونية الاجتماعية"، أو على مستوى الفكر والمجتمع كما في "الماركسية الشيوعية" بما ظهر لها من أحزاب منتشرة في العالم، ممهدة الطريق للوصول إلى الحكم في كثير من بلدان العالم؛ ليصبح لدينا دولٌ -في القرن الرابع عشر/ العشرين- عقيدتها الأساسية تقوم على المادية، ودعوتها الأهم تتمثل في إخراج الناس من الدين والتبشير بالإلحاد تحت مظلّة العلم.
وكما دعمت الثورة الفرنسية الموقف العلماني وحققت فرصة ذهبية لليهود في أن يتغلغلوا في الفكر والمجتمع الأوروبي؛ فإن الثورة البلشفية (عام ١٩١٧ م) حققت فرصة نادرة لسيطرة الماديين السياسية واستثمار تزعمهم للدول التي يحكمونها في نشر المادية، ولا يخفى بأن "ماركس" أحد أهم دعاة المادية الحديثة ومؤسس الماركسية من أصل يهودي، وأضاف ليهوديته (١) الصورة المادية الجديدة التي وضعها بمشاركة "إنجلز" ممثلين في ذلك الطور الأول للماركسية، إلى أن جاء "لينين" بعد ثورة (١٩١٧ م) ليحقق الطور الثاني لها.
ومع أن الماركسية هي أهم ممثل للمادية في القرن الرابع عشر/ العشرين الميلادي؛ إلا أن هناك امتدادًا للفكر المادي في مذاهب أخرى قد ترفض التسمّي بالمادية مثل الوضعية الجديدة، أو نجد امتدادًا لها مع ماديين كبار مع رفضهم للصورة الماركسية، مثل أصحاب فلسفة التحليل وأهمهم الفيلسوف الإِنجليزي المعاصر راسل.
[د - المنهجية المادية للانحراف بالعلم]
أهم دعوى يحرص الماديون على إبرازها دعوى ارتباطهم بالعلم، فهم يحققون من خلالها مجموعة مكاسب أهمها الاستناد إلى ركن شديد في إثبات دعواهم المادية، ثم يعقبها تبرير استغلالهم الخبيث لثمار العلم في مزاعمهم المادية؛ فهم يصورون مذهبهم كأنه نتيجة وثمرة للعلم، وبما أنهم أبناء العلم؛
(١) ذكر "العقاد" في كتابه (الشيوعية والإنسانية في شريعة الإِسلام) ص ١٣٣ بأن "ماركس" لم يفلت من الأوهام اليهودية على الرغم من مزاعمه المادية والعلمية. وممن بيّن دور "ماركس" اليهودي المفكر محمد قطب في كثير من كتبه، انظر: مبحث دور اليهود في الانحراف بالعلم في هذا الفصل ص ٣٩٦.