للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التاسع عشر قرن المادية العلمية. وقام الماديون في هذه المرحلة بعمل جاد لتحوير فيزياء "نيوتن" على وجه يخدم الرؤية المادية، وما انقضى ذلك القرن إلا بعد أن تمّ لهم ما خططوا له، فنقلوا العلم المادي إلى المادية العلمية، تلك المادية التي ازدهرت بعد تراجع التيار المثالي وغياب فيلسوفها الألماني المشهور "هيجل" عن مسرح الفكر (١)، وتحول العلم المادي إلى مذهب مادي. فانتفشت المادية في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر متدثرة بالعلوم الجديدة، ولكثرة تبجحها بالعلوم أصبح من الممكن "أن يطلق المرء بصفة عامة على مادية القرن التاسع عشر اسم مادية العلوم الطبيعية؛ لأنها كانت تستند على نتائج هذه العلوم التي كانت قد تطورت تطورًا كبيرًا. . . . وطغى التفسير المادي على كل الجوانب، وأصبحت كل الحقائق تفسر تفسيرًا ماديًا. . . ." (٢)، ولم يعد يسمى بالمذهب المادي بل يقال: المذهب العلمي أو المادية العلمية، وشاركها في القرن نفسه مذهب آخر يزعم لنفسه أيضًا العلمية وهو المذهب الوضعي، ويقصدون من كلمة الوضعي أي العلمي، كان ذلك مع الفيلسوف الفرنسي "كونت" (٣)، وقد كان المذهب "المادي والوضعي" أهم مذاهب القرن (١٣ هـ - ١٩ م)، وقد تعزز وتأيّد تأييدًا عظيمًا بمذهب تشارلز "داروين" (٤)، معطيًا للمادية سندًا علميًا مزعومًا وصريحًا في ماديته.

وهكذا شاع بين النُّخب في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر تلك الدعوى المادية، واتسع تفسير كل شيء وفق منظور مادي، يستندون في ذلك على العلوم الحديثة ولاسيّما "فيزياء نيوتن -الكلاسيكية- ونظرية دالتون عن الذرة ثم نظرية داروين عن أصل الإنسان. وقد بدا للمراقب وكأن العلم وما يقدمه من اكتشافات مجرد وسيلة إثبات لمنظور مادي قديم" (٥) بلغة جديدة.


(١) سبق في الفصل الأول التعريف بدور "نيوتن" وأثره العلمي، وبحركة التنوير، ودور "هيجل" أهم فلاسفتهم بعد "كانط"، مع العلم بأن التيار المادي الكبير في القرن التاسع عشر هم من أتباع "هيجل" (اليسار الهيجلي).
(٢) تمهيد للفلسفة، زقزوق ص ١٨٥.
(٣) انظر: المبحث الخاص بالوضعية وأثرها في الفصل الثاني.
(٤) انظر: الفلسفة المعاصرة في أوروبا، بوشنسكي ٣٠ - ٣١.
(٥) أفي الله شك. بحث في علاقة العلم بالإيمان, د. حمد المرزوقي ص ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>