أهدافه الخبيثة، وكان من أخطر ما عمله الاستعمار لتجاوز هذه العقبة التي أمامه صناعة الازدواجية بين منظومتين علميتين: الأولى هي الإِسلامية، فسعى إلى إضعافها وقتل شروط نجاحها، وحصارها بكل أسلوب ممكن، أرادوا حرمانها من القوة والانتشار، فضلًا عن السماح لها بتأصيل العلوم الجديدة وإمدادها بالتصورات الإِسلامية وقيَمِهِ العظيمة. والثانية منظومة التعليم الحديث الاستعماري بقيم ورؤى استعمارية، وإمدادها بأسباب النجاح والتمكين، مع وضع إسفين العداوة بينها وبين علوم الأمة.
ثم انتقل الاستعمار خطوة أخرى نحو علمنة التعليم، فبالرغم من كون المسؤولين عن التعليم هم من المنصرين، إلا أن سماحهم للدين الإِسلامي أن يتصل بهذه المنظومة سيؤدي إلى غير مرادهم، ومن هنا جاء سعيهم إلى التأصيل الفكري لعلمنة التعليم، والسعي العملي لتطبيق ذلك في أرض الميدان. بذلك ينمو هذا الميدان الجديد دون هوية سوى الهوية الاستعمارية، لقد عُرض في الفصلين الأولين من هذا الباب أن المجتمع الفرنسي عندما فُرضت عليه العلمنة، قام بتأسيس مدارس لا تتبع الحكومة، يدرس فيها أبناؤهم علوم دينهم مع العلوم الجديدة، ولم يجدوا من يضايقهم، أما في البلاد المستعمَرة فهناك مضايقات للتعليم الإِسلامي وعدم السماح له بالحيوية والحركة بخلاف التعليم الاستعماري.
وهذه الازدواجية والعلمانية التي أوجدها المستعمر في النظام التعليمي، ما زالتا تسيطران على كثير من أنظمة التعليم الإِسلامية من قريب أو بعيد، مما يعني أن الأمة الإِسلامية لم تستطع في الغالب تجاوز هذه المشكلة، ولم تستطع تقديم مشروعها الخاص الذي يوحد بين العلوم في ظل منظومة إسلامية متكاملة.
[٣ - ترسيخ الهزيمة النفسية في مجال التعليم]
نجح الاستعمار في اختراق الكثير من المسلمين وإصابتهم بهزيمة نفسية غير مسبوقة، نحو الحضارة الغربية، ففي مجال العلم أراد الاستعمار إقناع المسلمين بأنهم أمة أمية جاهلة لا شأن لها بالعلم، وغير قادرة على شيء منه، وحظها منه الحفظ والشرح دون الإبداع والاختراع. وقد وُظف منهج التاريخ في المدارس لزراعة هذا التصور، فلا يُعرض لهم إلا أدوار اليونان والرومان والإغريق قديمًا