للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المناقشة حول هذه الدعوى، فإن جاء أصحاب الدعوى بزعم أن العقل يعارض النقل، فيُبطل أولًا المعارض العقلي، ثم نرتقي درجة في بيان أن العقل الصريح يوافق النقل، وليس مقصد العلماء حاجتنا إلى إثبات صحة النقل بشيء خارج عنه، فإن التسليم والاطمئنان والثقة بالوحي لا يعلو عليها بشيء، وإنما كان ذلك من أسباب التنزّل مع الخصم لبيان خطئه وبيان أن ما معه من دليل ليس له، بل عليه. فإذا أتينا إلى العصور الحديثة فقد نجد بعض التيارات الفكرية المتغربة لا تُقرُّ أصلًا بتلك الأمور العقلية التراثية (١) ولكنهم يعرضون المستجدات في الميدان، ولاسيّما في ميدان البحث وهو ما له صله بالعلم، فيكون الردّ بإثبات أن العلم الحقيقي النافع الواضح لا يمكنه بحال معارضة الدين، وهذا ما وصل إليه أهل العلوم أنفسهم في مرحلة ما بعد الغرور العلمي والوضعي كما سيأتي بإذن الله.

وإذا كان النوع الثالث والرابع هما المساحة التي يتحرك فيها الباحث المعاصر، فلا يعني هذا إمكانية الحركة دون الرجوع لشيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه حتى من سلك طريقة أهل الكلام أو الفلسفة من الإسلاميين المعاصرين لا يجدون بُدًّا من العودة إلى هذا الجهد الضخم، إنه جهد من المنزلة والقوة والحجة والبيان ما يجعله أساس كل باحث في هذه المشكلة الخطيرة -مشكلة دعوى التعارض، إن الأداة النقدية هي التي نحاول استيعابها، أما الأمثلة والتطبيقات فهي التي تتغير، والمطلوب منا نحن الباحثين إنشاء قواعدنا الصلبة وتأسيسها بالاعتماد على ما أبدعه هذا الإمام الكبير، ثم نتحرك بذلك في ميادين عصرنا بما ينفع البحث العلمي. لهذا أحاول قدر المستطاع تأسيس ما يمكن من أدوات من خلال هذا العَلَم الإمام وأطبق ذلك على مشكلة البحث والله الموفق.

[صور الدعاوى التغريبية]

تُثار هذه الدعوى منذ مئة وخمسين سنة تقريبًا، ولكنها لم توضع في صياغة واضحة كما وضعها مثلًا أهل الكلام في تاريخنا الإسلامي وإنما أُبقيت ملتبسة في صياغتها، تُرمى دون أن تحقق، وقد يكون لهم فائدة في ذلك؛ فإنها إن بقيت


(١) كان المثال الذي مثّل به شيخ الإسلام على هذا النوع (صفة العلو) وقد أخذ ذلك ما يقرب من مجلدين من كتاب الدرء، انظر: المرجع السابق ٢/ ٨٥٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>