للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أين تختلف الدعوة الجديدة عن القديمة؟ وأين هي مساحة العمل الصحيحة؟ إنها بالذات في الثالث والرابع؛ أي: في بيان أن ما يدّعي المدعي أنه معارض من العلم فهو باطل، فلم يكن في زمن العلماء السابقين إلا المعارض العقلي، وقد خصّها شيخ الإسلام -بحسب كلام الشيخ المحمود- بثلاثة أوجه في كتابه المشهور، هي: الوجه الثاني عشر، وهو مختصر جدًا، والثامن عشر، والتاسع عشر، الذي أطال فيه بحيث شمل بقية المجلد الأول والمجلد الثاني والثالث والرابع بكاملها، وتحدث أثناء ذلك عن أهم شبهتين يزعمون عقليتها ومعارضتها للنقل في باب الأسماء والصفات، إحداهما شبهة التركيب والتجسيم، والأخرى حجة الأعراض (١)، كما أنه أبطل العقليات التي يقال عنها: إنها أصل السمع وإنها تعارضه، فذكر أنها ليست مما يتوقف العلم بصحة السمع عليها، وخصص لها: الوجه الثالث والأربعين "الذي بدأ في أثناء الجزء السابع واستغرق أغلبه مع الأجزاء: الثامن والتاسع والعاشر الذي هو في آخر الكتاب"، ومن هذه العقليات: طريقة الأعراض وطريقة التركيب والاستدلال بالاختصاص (٢).

فهذه ما يقرب من ثمانية أجزاء فضلًا عن كتب شيخ الإسلام الأخرى -التي تتناول فيها المشكلة نفسها- جعلها للنوع الثالث، فإذا انتقلنا إلى الذين يرفعون العلم الحديث، هل يأتون على شيء مما سبق؟ الجواب على عكس ذلك تمامًا، فإن كثيرًا من تيارات الفكر الحديث ترى كل ما سبق من اللاهوت والميتافيزيقا الذي يأباه العقل الحديث المعتمد على العلم، ولاسيّما التيارات المادية والوضعية؛ أي: أن العلميات المزعومة تختلف عن العقليات المزعومة، ومع الاختلاف يختلف النقد والنقض وصور رفع الالتباس، حيث نجد اليوم نظريات الفلك والفيزياء والأحياء وعلم الأرض "الجيولوجيا" والأحافير وغيرها، كما نجد كشوفات علمية وأجهزة متطورة خلفها، وكل هذه لا يوجد لها أثر في عملية النقد عند العلماء السابقين؛ لأنها لم تظهر بعد.

ويوضح النوع الرابع: "أن نبين أن العقل موافق لها معاضد، لا مناقض لها معارض" صورة أخرى من الاختلاف بين النقدين، وهو درجه في الفضل، وكمال


(١) انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة ٢/ ٨٥٣ وما بعدها.
(٢) انظر: المرجع السابق ٢/ ٨٦٣ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>