تطبيقه على حالات أخرى من التعارض، وفي باب دعوى التعارض بين الدين والعلم سيكون المقدم قياسًا على قانون المتكلمين هو العلم، وإن لم يُقدم بإطلاق، فسيبقى هناك التفويض والتأويل كأداتين لرفع التعارض.
قد يقع خلاف بين الصورة القديمة والجديدة في أمور مثل: هل يمكن وضع العلم في مساواة مع العقل عند هؤلاء؟ فإن لم يضعوه فيبقى الاختلاف الواضح هو في إبطال ما يُعارض به النقل من العلوم، وهنا يأتي الاختلاف بين الحالين، ويصطحب معه صعوبات كبيرة لا يشعر بها إلا من خافها، وأراد إجابة بأجوبة تخرج عن أسلوب التفويض أو التأويل إلى تحليل المعارض العلمي ذاته، والتحقق من حقيقة ما يعرضه من شبهة على المتأثرين به، وتأتي الصعوبة أن الباحث لا يجد مادة يطمئن إليها قلبه من جهة، كما أن صعوبة الموضوع وسعته وتعقيداته لا تساعده على مناقشة تفاصيل تلك المعارضات. ولست أذكر هذه الصعوبة للاعتذار بقدر ما أذكرها لبيان حقيقة المشكلة في الجهود المعاصرة، إن البعض قد استغرق في تكرير النقاش للصورة القديمة مستفيدًا من جهود علماء الإسلام -ولاسيّما ما سطره شيخ الإسلام في عدد من كتبه- بينما إذا جاء الحديث عن الصور المعاصرة تركها أو اكتفى بالإحالة على ما يشبهها في الماضي. وإدراك مثل هذه المشكلة يدفع الباحثين إلى مواجهة مثل هذه التحديات الجديدة، وتكوين جهد تعاوني؛ إذ لا يكفي فيه جهد الباحث المفرد، أو حتى المجموعات القليلة. وأذكر نصًا مهمًا لشيخ الإسلام -رحمه الله- يوضح النقطة التي تختلف بها الدعوى الجديدة عن القديمة، وفي الوقت نفسه تبرز المساحة التي تحتاج من الباحثين المعاصرين مناقشتها بأسلوب جديد، حيث يقول حول مسألة دعوى التعارض بين النقل والعقل:"إن الكلام هنا أربعة أنواع:
أحدها: أن نبين أن ما جاء به الكتاب والسنة فيه الهدى والبيان.
الثاني: أن نبين أن ما يُقدّر من الاحتمالات فهي باطلة، قد دل الدليل الذي به يُعرف مراد المتكلم على أنه لم يردها.
الثالث: أن نبين أن ما يُدّعى أنه معارض لها من العقل فهو باطل.
الرابع: أن نبين أن العقل موافق لها معاضد، لا مناقض لها معارض" (١).