للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إضافة إلى ما سبق إلى المعرفة الرياضية والتجريبية والملاحظة والمختبرات وأجهزة القياس والتجريب.

وإدراك الفرق بين نوعي التعارض لا يعني عدم الاستفادة من الجهود التاريخية التي وقفت أمام دعاوى التعارض بين النقل والعقل، أو بين النقل والذوق، أو بين النقل والمصلحة، وهي أبرز ثلاث صور عرفها تاريخنا الإسلامي من التعارض، فوقف أمامها أعلام السنة وقفتهم المشهودة، فرفعوا عن الناس الاشتباه ونقضوا دعاوى المدّعين.

بعد أن بسط الإسلام نوره على الأرض واتسع نطاقه الجغرافي وقع الاحتكاك بأمم وحضارات وثقافات أخرى أثّرت بتساؤلاتها أو بثقافتها في المحيط الإسلامي، ولكن كان هناك العلماء الكبار، فما إن تقع عند أحد المسلمين شُبهة حتى يذهب إليهم، فيذكر توهمًا من التعارض بين آية وآية، أو بين آية وحديث، أو بين نص وفهم، فيزيل العلماء ذاك التوهم بجواب مقنع، ثم اتسع الأمر، حيث قلّ أهل العلم مقارنة بالدولة الإسلامية المترامية الأطراف وكثرت الشُبه، ثم تحولت هذه الشبه إلى علوم عند طائفة من الناس، فجاء من أهل الإسلام من أراد وضع قواعد ضابطة للوضع الجديد وعاصمة من الزلل، إلا أن الأمر التبس عليهم، فوثقوا في قوة تلك الثقافات المعارضة للإسلام، وخافوا على الإسلام، فاخترعوا مناهج وأدوات هدفها رفع التعارض بين النقل والعقل، فأدخلوا في العقل ما اجترحته عقول العلماء والمفكرين والفلاسفة ومن في حكمهم، ولاسيّما ما يقع عليه اتفاق طائفة كبيرة منهم، ثم تحول ذلك النشاط إلى قانون، يرجع الدور الأكبر في تأسيسه إلى علماء الأشاعرة الكبار الذين ظهروا ما بين القرن الثالث والثامن، وقد جمع كل ذلك مبرزهم المشهور الرازي -صاحب التصانيف الكبيرة في علوم شتى- ووضعه في قانون، وأصبح هذا القانون الصغير هو أداة للتطبيق على كل حالة من حالات التعارض (١)، وإذا كان القانون يتركز في باب التعارض بين العقل والنقل، إلا أن النتيجة المتمثلة في "المقدم منهما" وفي الموقف من "المؤخر" بالتفويض أو التأويل، هي مما يمكن


(١) انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة، د. عبد الرحمن المحمود ٢/ ٨١٨، وانظر: موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة. . . .، د. سليمان الغصن ١/ ٣٤٠ - ٣٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>