مع العلم بأن هناك من العلماء من انتبه للفرق، ونبّه عليه، واعتنى بالرد على الشبهات الجديدة، مثل الشيخ مصطفى صبري الذي عاصر فترة التغريب الأولى، وفترة سقوط الدولة العثمانية حيث كان شيخ الإسلام في الدولة العثمانية، فأخرج كتابه المشهور والمهم:"موقف العقل والعلم من رب العالمين وعباده المرسلين"، فذكر أن الذين لا يقدرون الدين حق قدره على درجات متفاوتة في زعمهم الباطل، ولخص مواقفهم المتغربة في موقفين:
١ - موقف يرى أصحابه بالتعارض التام بين الدين وبين العقل والعلم.
٢ - وموقف يرى أصحابه بأن العقل يوافق أساس الدين ولكن العلم يخالفه، ومرادهم من العلم: العلم الحديث المبني على التجربة والمشاهدة، ويجعلونه المقدم؛ لقيامه على التجربة، ولا يسلمون بالاستدلالات العقلية واللاهوتية.
ثم ذكر بأنه يعتني بالرد على الفريق الثاني؛ لأن مزاعمهم أشبه بالحق مع بعدها عنه، ولخطرها على المتعلمين العصريين (١). والشيخ هنا كحال أغلب أهل زمانه قد استعان بالمنهجية الكلامية الأشعرية، ومع ذلك فجهاده معروف ومحفوظ ومشكور.
ولكن هناك اختلاف: فالعقل في المرحلة التاريخية هو العقل الفلسفي الصوري الذي تُنتج مسائله اللاهوتية عن إعمال العقل في مسائل الدين، بينما العلم في المرحلة الحديثة هو ناتج عن قياسات رياضية دقيقة وتجارب في المختبرات مضنية وملاحظات طويلة؛ ولذا غلب عليها الرياضي والطبيعي لإمكان تحقيق معرفة جيدة بها تقبل الاتفاق، ولهذا نجد الاختلاف مع إنتاجات العقول من مذاهب ورؤى، وتظهر مذاهب جديدة تنسخ سابقتها بخلاف الوضع في العلم، فهو ألصق بالاستنباط الرياضي الدقيق والتجريب في ميدان الطبيعي. فيحتاج من يناقش أهل المذاهب العقلية إلى قدرة عقلية للتحليل، ومعرفة خداع اللغة أو الصور أو الأقيسة، أما من يناقش أهل المذاهب العلمية فهو يحتاج
(١) انظر كتابه: موقف العقل والعلم من رب العالمين وعباده المرسلين ٢/ ٧١ - ٧٣، وقد استعرض الدكتور مفرح القوسي جهود الشيخ مصطفى صبري في مقاومة هذه الأفكار وغيرها في بحثه المميز: الشيخ مصطفى صبري وموقفه من الفكر الوافد.