العلمي من التجارب والنظريات أو الجانب التجريبي التطبيقي منها، وإنما المقصود توضيح المعاني المرتبطة بها ذات الأثر في مسيرة العلم ونظرياته ومفاهيمه، وأثر ذلك في مجالات أخرى، وهذه الطريقة أمر معتاد في مثل هذه الدراسات.
[١ - الأثير لا يصمد أمام التجربة]
كانت مشكلة قياس حركة الأجسام ومعرفتها من مهام الفيزياء، فعندما يسير الماء في نهر، فمن الممكن قياس سرعته مقارنة باليابسة، وعندما يسير أحدنا بسيارته فتقاس سرعته بالأرض الثابتة تحته، وهكذا، ولكن إذا كانت الأجرام السماوية تتحرك وكذا الضوء فكيف تقاس؟ ما الشيء الثابت الذي نعتمد عليه في القياس؟
كان المقترح في الفيزياء الكلاسيكية، فيزياء نيوتن، مادة الأثير، وذلك أن الضوء عندهم عبارة عن موجات، ولابد في حركته الموجية من مادة يتحرك فيها، وكان هذا دليلًا بارزًا على وجوده، ومن ثمّ جعله مقياسًا للحركة حيث "تبنى علماء ذلك الزمان النظرية التي تنص على أن الأثير الذي تتحرك خلاله كل الأشياء في الكون حسب اعتقادهم هو إطار إسنادي غير متحرك. وبالتالي يتم الحكم على كل الحركات الأخرى بالنسبة لهذا الإطار الإسنادي. وقد كان التصور أن الأثير هو مائع أو صلب مرن، أو أنه يملأ كل الفراغ الموجود بين الذرات التي تكوّن المواد. وأنه لا يقاوم مطلقًا حركة الأرض"(١)، وقامت مفاهيم مهمة على هذا الفرض، ومثّلت آنذاك حقائق يقينية، واستقرت فترة زمنية طويلة.
وجاءت المفاجأة عبر تجربة قام بها عالمان في هذا الباب هما "مايكلسون" و"مورلي" عام (١٨٨٧ م) التي قد قام بها "مايكلسون" قبل ذلك عام (١٨٨١ م)، فكانت نتيجتها إثبات عدم وجود الأثير، مع العلم أن افتراض وجوده أو عدمه تشكل أهمية داخل الفيزياء وخارجها، ويظهر ذلك واضحًا في صدمة العلماء وحيرتهم من نتيجة هذه التجربة، "فقال قوم: إن في الأمر سرًا. واتهم آخرون