للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخاصة وقد كشفت الوقائع عن أن بعضهم كان من الأفاقين الجهلة مدعي العلم"؛ فانتقل إلى الترجمة، فنشأت حركة ترجمة، لاسيّما ترجمة "الكتب المدرسية"، وكان الاعتماد في الترجمة على مجموعة من الشوام -وأغلبهم من النصارى- ثم شاركهم بعد ذلك بعض خريجي الأزهر العائدين من بعثات أوروبا (١).

عرف عصر محمَّد علي طلبًا لكتب العلوم الحديثة، وكان هناك جمع لها من إستانبول وأوروبا، وكان هناك حث على ترجمتها وتوفيرها، وكثر عند ذلك المترجمون (٢)، وقد عرفت الترجمة منعطفًا مهمًا مع عودة المبتعث رفاعة الطهطاوي بخاصة، الذي جعل من الترجمة مشروعًا له وهدفًا من أهدافه، حيث قام بنفسه على مشروع الترجمة وأسس معهدًا لتخريج المترجمين، وأنشأ "قلم الترجمة" سنة (١٨٤١ م) بوصفه مجمعًا متخصصًا في الترجمة (٣)، وقسمه إلى أربعة أقسام:

"قسم لترجمة الرياضيات، وقسم لترجمة العلوم الطبية والطبيعية، وقسم لترجمة العلوم الاجتماعية، وقسم للترجمة التركية".

تعدّ المؤسستان اللتان أقامهما "رفاعة": "مدرسة الألسن" و"قلم الترجمة"؛ من أهم المؤسسات في تحصيل العلوم العصرية بكل أقسامها المعروفة في أوروبا، فاتسعت دائرة تعرّف المجتمع على العلوم الحديثة وزاد عدد العارفين بها, لا شك أنهما مشروعان مهمان؛ فالأول يمكّن الطالب من امتلاك لغة الآخرين، والثاني يمارس العارف بلغة الآخرين عمله في ترجمة ما تحتاجه الأمة، وعلى هذا فالنقطة الحساسة هي الترجمة؛ لأن ما يترجم سيصبح مادة دراسة أو قراءة لكثير من الناس وقطعًا سينشغل بها الكثير، وسيكون فيها المفيد والمؤثر، والمفيد لا اعتراض عليه ولكن التوقف هو مع المؤثر: ما هو؟ وما أثره؟

إنها المعادلة الصعبة، وإذا لم يُنتبه لها فربما يفقد المشروع مساره ولاسيّما


(١) انظر له: الأزهر على مسرح السياسة المصرية. . . . ص ١٦٥ باختصار.
(٢) انظر: نهضة مصر. . . .، أنور عبد الملك ص ١٤٢.
(٣) انظر: رفاعة الطهطاوي رائد التنوير في العصر الحديث، د. محمَّد عمارة ص ٦٨ - ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>