بأن هذه العلوم ذاتها قد أسهمت بنصيب كبير من مآسي العالم في العصر الحديث، فالعلم نفسه الذي خدم البشرية؛ هو نفسه الذي أسهم في دمارها لحظات الحرب، وما الآثار الفظيعة التي أحدثتها القنابل النووية وتجاربها المخيفة هنا وهناك من الناس ببعيدة، فمنها هذا التلوث القاتل، وهذا الدمار، وهذا الخوف والهلع، والعالم الآن يعيش في قلق من هذه الأسلحة المرعبة.
ومع ما يحويه مسار العلم الحديث من خير وشرّ، من بناء ودمار، من تقدم وتأخر؛ إلا أن الناس ينسون سيئات العلم وينظرون لحسناته، ويغفلون عن إقامة التوازن الكافي بين الحسنات والسيئات، فعندما تعبث القنابل بالأجساد، والأشعة النووية بالأرض والسماء؛ ينسى الناس أنها من ثمار العلم، وينسون أن دمارها وخرابها وضحاياها هو ثمرة من ثمار العلم.
وبقدر ما ينسون هذه الثمار المدمرة ينسون ما هو أهم وأخطر؛ فيتغافلون عن حقيقة خطيرة وهي أن العلم قد ينحرف بهِ أقوام عن مساره فكريًا وثقافيًا ودينيًا كما انحرف بهِ السابقون ماديًا وصنعوا منه آلاتِ دمارٍ لا مثيل لها. وهذا المسار الذي يتناساه الكثير هو ما نحاول بحثه في هذا الفصل وكشفه؛ لأننا نراه يستحق العناية والاهتمام تمامًا -وأكثر- مما يستحقه المادي، فكما أن هناك من يبحث في أسباب الانحراف بالعلم ماديًا وأسباب توظيفه في الدمار ثم يحاول معالجة ذلك؛ فنحن أيضًا من حقنا مناقشة ذلك من جهة أخرى، من جهة أسباب الانحراف بالعلم في علاقته بالدين والتصورات الدينية، فنحن نبحث مثلًا في:
- عندما يوضع العلم في خدمة الانحرافات الفكرية والأيديولوجية ويصبح آلة طيِّعة في خدمتها.
- عندما تخرج فرضيات ونظريات تخالف صحيح الدين مخالفة صريحة، وتتبجح دون مبالاة بالدين، بل ترى أنها الأحق والأولى مما ورد في الدين.
- عندما يُستغل العلم من قبل الفئات المبغضة للدين، فتوظف العلم في صراعها مع الدين بأسلوب خبيث وماكر.
- عندما يتحول العلم عند البعض إلى مذهب أو عقيدة، ويقدم على أنه البديل عن الدين.