للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الاتجاهات الفلسفية العلمانية فقد رفضت هذا الطريق الوسط، وأسسوا لمجال طبي رغم دعواه العلمية، إلا أنه في حقيقته يتأسس على أصول الفلسفة المادية، ومن ذلك ما نجده في كتاب "كلود برنار" مدخل: "الدراسة الطب التجريبي" ممثلًا للطب البدني، أو في كتب "فرويد" ممثلًا للطب النفسي.

فقد رفض "كلود" المذهب الحيوي، ولكنه تبنى المذهب المادي الآلي، ومع تبرئة كلود طبه من المذهبية، إلا أنه في الحقيقة يتبنى المقولات المادية، ومن ذلك إشارته لمبدأ الحتمية وإدخالها الطب، كما أن التطرف في العلمية يقود إلى صورة من المذهبية مع النزعة العلمية المغالية لعلم الطب الحديث تُدعى "التعالمية أو العلموية - Scientism"، فهي تقوم على قواعد تجريبية جيدة، إلا أنها قد تتحول مع هؤلاء المتعصبين إلى علموية (١)؛ أي: إلى مذهب علماني لا علاقة له بالعلم.

لقد قامت الفلسفة العلمية المادية بنقد النسق القديم لعلم الطب من أجل التحول نحو المادية، ومن ذلك نقد الغائية، وبنقدها ينفتح الباب للمادية الميكانيكية الحتمية (٢)، ونقد وجود القوة الحيوية، والأجسام الحية والجامدة شيء واحد، والفارق بينهما في الدرجة وليس في الطبيعة (٣)، وهما خاضعان للحتمية، ويذكر ليدرمان في كتابه: "الفلسفة والطب" الوجه المادي الحديث وأساسياته وأصوله، وهي "المادة هي الوجود الوحيد؛ أي: مبحث علمي لابد أن يلتزم بالتفسير المادي وإلا عد مبحثًا غيبيًا غير علمي، إذ المادية مرادفة للتفكير العلمي، الفارق بين الجماد والحي، إنما هو في التركيب الكيمائي، وهو فارق في الدرجة لا الطبيعة" (٤).

تفيد المقارنة بين النسقين القديم والحديث في الطب "أن النزعة التجريبية


(١) انظر: في فلسفة الطب ص ٣٠ - ٣٣.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٣٢ - ٣٣.
(٣) انظر حول نقد إنكار وجود معنى مميز للحياة، وأن هذه آراء تجاوزها الطب المعاصر الذي عاد إلى تأكيد المقولة بالفارق في الطبيعة لا في الدرجة بين الكائنات الحية والأجسام الجامدة، المرجع نفسه ص ٥٠ - ٥٣.
(٤) انظر: المرجع السابق ص ٣٨ ص ٤٤، وانظر: فلسفة العلم من الحتمية إلى اللاحتمية، د. يمنى الخولي ص ٢١٠ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>