للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الآثار التي يتحدث عنها علّامة المغرب هي نفس ما كشفه علماء المشرق واجتهدوا في نقده وبيان باطله وعملوا على تنقية التراث الإِسلامي وتصفيته مما خالطه من تلك الأهواء، لاسيّما شيخ الإِسلام ابن تيمية وابن القيم وأتباعهما. وفي ذلك يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية عن دخولها مع العلوم النافعة: "فإن هذه التعاليم -من المنطق وما بعد الطبيعة وغيرها- لما اتصلت بالمسلمين وعربت كتبها مع ما عرب من كتب الطب والحساب والهيئة وغير ذلك، وكان انتشار تعريبها في دولة الخليفة أبي العباس الملقب بالمأمون؛ أخذها المسلمون فحرروها لفظًا ومعنى. لكن فيها من الباطل والضلال شيء كثير" (١)، وهو يريد هنا بالتعاليم -والله أعلم- تلك المناهج والإلهيات والميتافيزيقا التي لبعضها علاقة بأمور الدين، أما ما لا علاقة له بالدين "مثل مسائل الطب والحساب المحض" فهذا جائز، فغايته الانتفاع بآثارهم في أمور الدنيا (٢)، ثم عرض شيخ الإِسلام مواقف الناس من تلك التعاليم الباطلة في ثلاثة مواقف:

١ - الفلاسفة، حيث اتبعوها وجمعوها مع ما ينتحلونه من الإِسلام.

٢ - المعتزلة، لم يقصدوا اتباعها لكن تلقوا عنهم أشياء يظنون أنها جميعها توافق الإِسلام وتنصره، مع أن كثيرًا منها تخالفه وتخذله.

٣ - حال كثير من أهل الحديث والفقه وغيرهم، حيث أعرضوا عنها إعراضًا مجملًا، ولم يتبع أهل هذا الموقف من القرآن والإِسلام ما يغني عن كل حقها ويدفع باطلها ولم يجاهدهم الجهاد المشروع (٣).

نؤكد هنا بأن علماء الإِسلام وأهل السنة خصوصًا لم يكن لهم اعتراض على العلوم النافعة؛ وإنما كان اعتراضهم على تلك الإلهيات الفلسفية التي تتعارض مع ميراث النبوة، ونؤكد بأن علماء المسلمين وإن قبلوا من متفلسفي المسلمين العلوم النافعة التي بين أيديهم من الطب والحساب وغيره مما هو معروف في زمنهم؛ فإنهم في المقابل قد وقفوا ضدّ انحرافاتهم العقدية وحذروا الأمة منها، وهو يوضح وسطية أهل السنة في موقفهم من المخالفين وعلومهم.


(١) مجموع الفتاوى ٩/ ٢٦٥.
(٢) انظر: نقض المنطق، ص ٩٦ - ٩٧، بتصحيح محمَّد الفقي.
(٣) انظر: الفتاوى ٩/ ٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>