حكم المغامرة، ولكن الأهواء السياسية وحب السلطة والقوة دفعت ببعض الولاة -في الغالب- إلى إرسال هؤلاء الشباب دون تهيئة حقيقية لهم، أو تهيئة حقيقية للمجتمع الذي سيعودون إليه، وعندما عادوا وجدوا صعوبة في إدخال ما حصّلوه من علوم إلى بنية التعليم في المجتمع الإِسلامي، ووجدَ التيار المحافظ في بعض أخطاء المبتعثين وضعف الشخصيات المبتعثة فرصة لشجب هذه العلوم المنقولة. ولكن السلطة فرضت معاهد جديدة وسمحت آنذاك بوجود غربي خطير عبر الصحافة والمدارس والإرساليات والمحافل الماسونية وغيرها؛ مما نتج عنه انتشار لعدد من المعارف والأفكار داخل المدن الإِسلامية الكبرى ولاسيّما: إستانبول والقاهرة. وقد استقبلها جيل من الشباب المثقف وتأثر بها وأعجب بها، وأصيبوا بهزيمة نفسية أمام الوافد الغربي، وأصبحت الحال مخيفةً آنذاك.
تفرض هذه الحالة الجديدة أشكالًا مختلفة من المواقف: ظهر الموقف المحافظ الخائف الذي رأى الحل في إقفال باب الشر، ولم يستوعب أن ما يعرضه يزيد المشكلة. بينما الموقف السلفي كان غريبًا في بيئات المدن الكبرى -حيث كان السائد فيها مذهب (صوفي / كلامي). فلم يظهر له موقف من هذه الأحداث، وتأخر حتى تعرف عليها وأخرج موقفه الذي عرضنا بعض ملامحه في البحث السابق القائم على إيجاب إعداد القوة ولو بطلب علومها من أعدائنا مع رفض ما يتعارض مع النص والأصل، والاجتهاد في تأصيل هذه العلوم داخل البيئة الإِسلامية. لكن الذين اصطلوا بالصدمة الأولى من دخول أجزاء من مكونات الفكر الغربي إلى العالم الإِسلامي كان لهم موقف آخر هو الموقف (التوفيقي / التأويلي)، والفرضية التي أسوقها في هذا الإطار: أن ميل أصحاب هذا الموقف إلى (التوفيق / التأويل) له صلة بطبيعة انتمائهم إلى تيار (صوفي / كلامي) كان الرأي السائد عند أغلب شخصياته: "تقديم العقل على النقل وإعمال منهج التأويل عند حدوث التعارض أو التفويض"، وهم ينتمون إلى البيئة نفسها التي خرج منها التيار المحافظ الرافض، ولكن التيار المحافظ لم ينتبه إلى أن العقل الغربي الحديث هو من نوع العقل الذي يقدمونه على النقل في المنظور الكلامي التراثي، أو هو نفس المفهوم. وعندما جاء الجيل المثقف منهم وجد أن المبررات الموجودة عند قدماء المتكلمين هي نفسها تتكرر اليوم مع العقل الغربي الحديث. ومن هنا جاء تسامحهم مع التأويل، بل ربما يجدون في الحجج