للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا المقام نعرض حديث القرآن عن هذه السلطة الكنسية الفاسدة ودعوته لمقاومتها والعودة للدين الحق، فالله سبحانه قد أخبر عن هذه السلطة الباطلة فقال -تعالى-: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)} [التوبة: ٣١]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "روى الإِمام أحمد، والترمذي، وابن جرير من طرق، عن عدي بن حاتم، - رضي الله عنه -، أنه لما بلغته دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرَّ إلى الشام، وكان قد تنصر في الجاهلية، فأسرت أخته وجماعة من قومه، ثمَّ منَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أخته وأعطاها، فرجعت إلى أخيها، ورَغَّبته في الإِسلام وفي القدوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقدم عَدِيّ المدينة، وكان رئيسًا في قومه طيء، وأبوه حاتم الطائي المشهور بالكرم، فتحدَّث الناس بقدومه، فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي عنق عَدِيّ صليب من فضة، فقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم! فقال: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم" (١)، فالأحبار والرهبان قد وضعوا أنفسهم في مقام من يُشرعّ ويمارس ذلك باسم الرب، وقَبِل الأتباع بهذه الحالة فوضعوا الأحبار والرهبان موضع الرب، ولا شك أنها سلطة عالية حصلوا عليها، وقد حرّم الله سبحانه قبولها وأوجب نبذها.

وقال الشيخ السعدي في هذه الآيات: " {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي: كيف يصرفون على الحق، الصرف الواضح المبين، إلى القول الباطل المبين. وهذا -وإن كان يستغرب على أمة كبيرة كثيرة، أن تتفق على قول- يدل على بطلانه أدنى تفكر وتسليط للعقل عليه، فإن لذلك سببًا وهو أنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ} وهم علماؤهم {وَرُهْبَانَهُمْ} أي: العُبَّاد المتجردين للعبادة {أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} يُحِلُّون لهم ما حرم الله فيحلونه، ويحرمون لهم ما أحل الله فيحرمونه، ويشرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها" (٢).


(١) تفسير ابن كثير ص ٥٩٦، والحديث رواه الترمذي برقم (٣٠٩٥) باب ومن سورة التوبة من كتاب تفسير القرآن .. ، وقال عنه: حديث غريب، وحسنه الألباني في غاية المرام، حديث رقم (٦) ص ١٩ - ٢٠.
(٢) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشيخ عبد الرحمن السعدي ص ٣٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>