يختلف أصحاب هذه البيئة، ففيهم الصادق في طلب إصلاح الأحوال، ولكنه ضُلِل كما ضُلل الكثير في الطريق المناسب، وتشبّع بالشُبَه التي أثيرت في عصرنا الحديث، وفيهم أصحاب المصالح والأهواء، ووجدوا في سلوك دعاوى التحديث فرصة لتحقيق مصالحهم. وفيهم الأعداء للأمة من طوائف وملل مختلفة، جمعهم الاستعمار في إدارته واستعان بهم في مهمته وفتح لهم المجال في الحركة، ولاسيما المتعلمنين من اليهود والنصارى ومجموعة من أبناء الفرق المغالية المنتسبة إلى الإِسلام، فضلًا عن مجموعة من المسلمين نجح الإضلال الفكري في صرفهم عن الإِسلام وتوظيفهم في جهاز التغريب.
هكذا تكونت بيئة غير متجانسة باستثناء هدف واحد ظاهره طلب الحداثة وباطنه معارضه الإِسلام ونبذه، وأعتقد أن من بين أهم الأسباب في استمرارها وجود شخصيات إسلامية مميزة استعانوا بها ممن نشطوا قبيل الاستعمار وفي أثنائه في قيادة الفكر الإِسلامي في البلاد التي وقعت تحت الاستعمار، ورغم جهودهم العظيمة في توحيد صف المسلمين ومحاولة استنهاضهم ورفضهم لكثير من البدع والانحرافات ونشاطهم في توعية المسلمين والرد على خصوم الإِسلام ونقل المفيد من الحضارة الغربية، وهو جهد عظيم لا يعرف قيمته ومكانته إلا من عرف ظروف تلك المرحلة، ومع ذلك ففيهم طائفة كبيرة وقعت في مأزق منهجي خطير فتح الباب لشرور عظيمة، حيث وقع هؤلاء في أسر الحضارة المستعمِرة والغازية وثقافتها من جهة ومن جهة أخرى هالهم هذه الأجيال الذكية المميزة التي يستهويها السير في ذلك الثقافة الغربية بعد أن عصبوا على أعينهم وسدّوا آذانهم وأسلموا ذواتهم لتلك الحضارة، وفي الوقت نفسه لم تكن تركة هذه العُصْبة المسلمة كافية في تحمل أعباء تلك المرحلة، فقذفت بمشروعها المرتبك مع شخصيات مشهورة مثل "الطهطاوي" و"التونسي" و"علي مبارك"، وهي أكثر وضوحًا مع مدرسة "جمال الدين الأفغاني" المشهورة وقائدها من بعده الشيخ "محمَّد عبده".
وأخطر ما تبناه هؤلاء الفضلاء وأُعجب به جيل التغريب -وهو أضعف جزء في مشروعهم من الناحية الشرعية المنهجية- هو توسعهم في منهجية التأويل بما تعنيه من عملية تلفيق، فما أن تعالج جزءًا من المشكلة حتى تفتح الباب لمشاكل أخرى، ولذا وإن لم يُسهموا في الانحراف بالعلم فإنهم أعطوا رؤية غير