للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسطوة علمه كما امتلكها ولا شاهد شيوع مذهبه واستعظام آرائه كما شاهد، فإن الكتب التي ألفت له وعليه في كل أنحاء العالم تعدُّ بالمئات والألوف، وعدد الذين انحازوا إلى مذهبه في الارتقاء والتسلسل يكاد يعم العلماء. . ولا عتاب ولا ملامة إن أطنب أهل العلم بالثناء عليه فإنه أهل لأطيب الثناء" (١)، ثم أعقب هذا الكلام بما سيكون مفتاحًا لمشكلة طويلة، وهو الانتقال من حيز العلم الطبيعي إلى حيز الدين، وما يترتب على ذلك من إشكالات "نقول هذا ونحن على يقين أن قولنا لا يرضي بعض القراء لإنكارهم على دارون رأيهُ في تسلسل الإنسان من بعض أنواع القرود المنقرضة. فجوابنا على ذلك أننا لم نتعرض في هذه المقالة لانتقاد رأيه هذا، ولم نثن عليه هنا إلا لخدمتهِ العلم في كل ما قرّرهُ وحققه. . . . إلى أن قالوا: "وأما رأيه المشار إليه فلا ينكر أن كثيرين ينفرون منه بدعوى مخالفته للدين، ولكن آخرين لا يرون فيه هذه المخالفة حال كونهم من مشاهير علماء اللاهوت والفلسفة" (٢)، وذكر من هؤلاء قول واعظ كنيسة وستمنستر "وأن مبدأ الانتخاب ليس غريبًا مخالفًا للديانة المسيحية على الإطلاق"، وقول واعظ كنيسة القديس "بولس" ببلاد الإنكليز: "لما شاع كتاب دارون في أصل الأنواع وكتابهُ في تسلسل الإنسان زعم أهل الدين أنهما مضادان للدين قطعًا، ولكنهم لما درسوهما بالإمعان غيّروا زعمهم هذا تغييرًا عظيمًا"، ونقلوا قول فيلسوف لاهوتي أمريكي، ثم قالوا: "وقس على ذلك أقوالًا عديدة لو شئنا سردها لضاق بنا المقام. والخلاصة أن العلماء الطبيعيين يوافقون دارون في أمر النشوء والارتقاء بالإجمال، وإن كان بعضهم يخالفونه عند البسط والتفصيل، وأما غيرهم فمنهم من يوافقه ومنهم من يخالفه. وعلى كل وجهٍ فالثناء على أهل الفضل واجب، والإطراء برافعي العلم غير محظور" (٣).

هكذا عرضوا الإشكالية المتوقعة من البداية وكأنها ضمن سيرة عالم تحرص المجلة عادة على التعريف بهم، فنظريتهُ إنما تعرض في أثناء عرض سيرته، مع معرفتهم أن الكثير ينفر منها، والسبب ما يراه الكثير من وجود


(١) المرجع السابق ٧/ ٥ - ٦.
(٢) المرجع السابق ٧/ ٦.
(٣) مجلة المقتطف ٧/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>