للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بور وشرودنجر" ليفترضا أن الذرة والإلكترون من طبيعة موجية، عندها لا يكون لهما وضع محدد داخل الذرة.

أخيرًا جاء "هيزنبرج" ليكشف شيئًا أكثر غرابة عن الإلكترون، فبعد تجاربه وملاحظاته عن الإلكترون -كما سبق- توصل إلى "مبدأ اللايقين الذي يقول: إن من المستحيل من حيث المبدأ أن ترصد موضع الإلكترون وسرعة حركته واتجاهها بدقة متناهية في نفس الوقت" (١)، ومن نتائجه ذات الأثر في موضوع الحتمية "أننا إذا عزلنا إلكترونًا واحدًا عن بقية مجموعة الإلكترونات في مجال واحد، وحددنا تحديدًا دقيقًا سرعة حركته واتجاهها، فلن نستطيع تحديد موضعه المكاني بنفس الدقة، وإذن فبالأحرى لا نستطيع أن نتنبأ بموضعه وحركاته في أي لحظة أخرى في المستقبل، وذلك يهدد مبدأ الحتمية" (٢). وتبع هذه التطورات العلمية بلبلة فكرية حول حقيقة التصورات التي بناها فلاسفة ودعاة مذاهب على مفاهيم علمية سابقة، ومما يزيد عمق المشكلة بأن التطورات لا تدفع إلى نهاية الطريق وفق تراكمات معرفية يكمل اللاحق السابق ويصحح قصوره، بل يكاد الأمر يكون أشبه بالعودة إلى نقطة البداية، ويكاد يكون كل ما هناك: أنه في عصر الفيزياء الحديثة كان من السهل إطلاق أحكام قطعية في الموضوع أما بعد الثورة الجديدة في الفيزياء المعاصرة فقد كشفت بأن الأمر أعقد من ذلك بكثير، ومن هنا تحولها إلى مفاهيم الإحصاء والاحتمال بدل القوانين القطعية (٣).

وقد استثمر البعض مثل هذه النتائج في إثبات حرية الإرادة للإنسان واختلافه عن عالم المادة، وأنه وإن كان عالم المادة يخضع لحتمية كونية، فإن الإنسان غير ذلك، وإلا لما كان هناك فائدة أو تبرير لوجود الأخلاق أو الشرائع


(١) سبق الحديث عن الإلكترون، وانظر أيضًا: من نظريات العلم المعاصر إلى المواقف الفلسفية، د. محمود زيدان ص ٢٧.
(٢) من نظريات العلم المعاصر إلى المواقف الفلسفية ص ١٠٤ - ١٠٥، وانظر: فلسفة العلوم، د. بدوي عبد الفتاح ص ٢٧٣ وما بعدها.
(٣) انظر: من نظريات العلم المعاصر إلى المواقف الفلسفية، الباب الثاني، الفصل الثالث، وانظر: الفيزياء والفلسفة ص ٢٨٧، وانظر: العلم والاغتراب والحرية، الفصل الخامس (انقلاب العلم المعاصر على الحتمية)، ومع أن في المرجع الأخير شرح موسع إلا أن فيه مبالغة حول القول بميل العلماء إلى اللاحتمية تمامًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>