للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الديني إلا من خلال المنظور الغربي، ثم هو بعد ذلك لم يتحمس للموقف الديني.

قد يستسهل البعض تصور وجود قضايا مختلفة بعيدة عن الدين، ولكن يصعب تصور مباحث الأخلاق بعيدة عن الدين، والحقيقة أنه بعد تأثر طائفة من المسلمين بالغرب العلماني الذي ينزع مسائل مهمة من المجال الديني ويدرسها بعيدة عنه، ومن ذلك علم الأخلاق، وقد بدأت هذه الطائفة النظر لعلم الأخلاق من هذا المنظور الغربي في أثناء فتح أقسام للفلسفة حيث كان من مباحثها الأخلاق، وقد شارك في تدريسها بعض من طرحها في إطارها الغربي، ثم جاءت ترجمة كتاب أرسطو "علم الأخلاق إلى نيقوماخوس" لأحمد لطفي السيد بمقدمة طويلة، وكتاب إسماعيل مظهر المتأثر بالدارونية فترة من حياته "فلسفة اللذة والألم" (١)، ثم انفتح الباب للدراسات الأخلاقية، إما بالنظر إليها من منظور إسلامي، أو من منظور توفيقي، أو من منظور تغريبي.

ولكن قد لا ينتبه هؤلاء لهذا البعد التغريبي العلماني في الدراسات الأخلاقية، فهم يتصورونه علميًا وكأنه يتحدث عن أمور مادية وليس عن أمور معنوية ذات صلة أساسية بالدين، ولذا يعترِض الكاتب السابق على من لم يفرق بين الأخلاق وعلم الأخلاق، فالأخلاق كما يرى تختلف من أمة لأخرى ومن دين لدين بينما علم الأخلاق يقدم النظريات العلمية التي تفسر السلوك والمبادئ الأخلاقية بصرف النظر عن الفضائل الأخلاقية لأمة من الأمم (٢)، فإن هذا المزعم هو حيلة لإقصاء الدين من مجال مهم من مجالاته، وفيه نوع من الابتعاد عن الإِسلام بحجة العلمية، وذلك تابع للمنظور الضيق الذي وُضِع للإسلام من قبل المتغربين تبعًا للفهم العلماني الغربي عن الدين الذي ملأ الكتابات الفلسفية والفكرية.

تبرز مشكلة لزحزحتها من الدينية إلى العلمية المزعومة؛ لأن العلمية في العصر الحديث متلبسة بالعلمانية، وهي ذات رؤية خطيرة تؤطر النشاط البشري، وكما يتضح في مبحث العلمانية تأتي مشكلتها من الدنيوية التي تهمل من خلالها


(١) النظرية العامة للقيمة: دراسة للقيم في الفكر المعاصر، د. أحمد عطية ص ٢٩٩ - ٣٠٠.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٣٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>