للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معطيات العلم من جهة، والمشرئب إلى قيم يتوخى تحقيقها. . . ." (١)، فهذا المفكر الأخلاقي العربي البارز في هذا الميدان يعطي عبارة ملتبسة سالكًا مسلك الوضعيين، الذين يرون بمرور الإنسانية بمراحل، بدأت بالأسطورة ثم تطورت نحو الدين والغيب ثم تطورت وارتقت نحو الميتافيزيقا لتصل في مرحلتها الأخيرة عصر العلم الذي قد يُعدّ الأرقى، ولا يفرق هؤلاء بين تقدم دنيوي يسير للأمام وبين تخلف أخلاقي يهبط للحضيض، وهنا نجد هذا المفكر يرمي بالأخلاق في ساحة هؤلاء على أنهم يؤسسونها على العقل الفلسفي والعلمي دون أي ذكر للدين، وهو يقول في صفحة لاحقة في سياق كلامه عن فقرة من موضوعات الأخلاق: "وأن ذلك كله يتبع النظرة على مصدر الأخلاق، وقد كان هذا المصدر أسطوريَّ الصبغة في سالف العصور، ثم تطورت الثقافة الإنسانية وظهر الشعور الديني مصحوبًا بالاهتمام الأخلاقي وذكر ضمن هذا الشعور: الأخلاق في اليهودية والأخلاق في النصرانية ثم في الإِسلام، ثم خرج منها إلى الأخلاق في الفكر الغربي الحديث (٢)، ويبرز -في هذا المنظور- التصور العلماني القائم على فرضيات فلسفية وعلمية مع البعد عن القول الحق الذي أتى به الدين، ورغم الجهد الكبير الذي قام به العوا في إثراء المكتبة العربية في مجال القيم إلا أنه ما زال منغمسًا في تيارات الفكر الغربية دون انفصال عنها.

وعندما يذكرون الرؤية الدينية فهم يذكرونها كحلقة قديمة في سلسلة التطور الأخلاقي، ويُخلط فيها الدين الحق بغيره، وعادة ما يعرض الموقف الإِسلامي ضمن الموقف اللاهوتي، ومن ذلك مثلا دراسة د. الصباغ عن القيمة، إذ يعرض ما يسميه النظرية اللاهوتية حول القيمة الخلقية التي تجعل الأخلاق "منضوية تحت لواء الدين، ومعيارها خارج الذات الإنسانية، فهو محدد فحسب بما يريده الله منا أن نفعله، مستحسنًا منا هذا الفعل وآمرًا لنا به" (٣)، ولا شك أن هذا يعد جزءًا من التصور الديني، وهو جزء من التصور الإِسلامي حول القيم الخلقية، وإن كان ما عرضه مرتبطًا بالتيارات الغربية، وكأنه لا يعرف الموقف


(١) الموسوعة الفلسفية العربية ص ٣٧.
(٢) انظر: الموسوعة الفلسفية العربية ص ٤٠ - ٤١ وما بين القوسين ص ٤٠، وقد عرضها في كتابه: العمدة في فلسفة القيم، تحت عنوان النهج الديني ص ٥٣٣ - ٥٣٧.
(٣) انظر: الأحكام التقويمية في الجمال والأخلاق، د. رمضان الصباغ ص ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>