للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من العلم العصري، فغالبه تحت إدارة الأجانب: المدرسة مدرستهم، والأستاذ منهم، والطلاب فقط من عندنا، وهذا العلم الجديد قد نما وازدهر بين فئة غلب عليهم في أوروبا النزعات المادية والعلمانية المعادية للدين، فكيف سيكون حاله عندنا؟ جهات العلم الشرعي كالأزهر وغيره لم تعلن موقفها المناسب من هذه العلوم، وبقي الرأي العام ينتظر من يصنع له الرؤية حول هذه العلوم، كان الفراغ قائمًا وينتظر من يملؤه. زعم البعض أن علماء الشريعة رفضوا هذه العلوم مما عمق الفراغ ولم يظهر جواب حول حقيقة هذا الزعم ولا موقف عام من المؤسسات العلمية الشرعية حول هذه العلوم.

تولّت الصحافة سدّ هذا الفراغ عند الجمهور القارئ آنذاك، وكان عدد القراء في ازدياد، ونظرًا لأن أغلب صحافة ذاك العصر بإدارة نصرانية متغربة، فقد ملأت ذاك الفراغ بما يتوافق مع توجهها، فجاءت "المقتطف" و"الجامعة" و"الهلال" و"الضياء" وغيرها لتضع الجواب حول الموقف من هذه العلوم وعن علاقتها بالدين، وتأخر ظهور الصحافة الإِسلامية -على ندرتها كالمنار وغيرها- ليستغل هؤلاء النصارى المتغربون فراغ الساحة فيضعوا الأجوبة التي يريدون، ويبذروا بذور المشاكل التي صنعت لنا مجموعة من القضايا ما زلنا نعاني منها إلى اليوم، وكانت مجلة الجامعة ممن أسهم في ذلك.

يُلخص د. "حسن حنفي" دور فرح أنطون المتأثر بدارون ورينان والذي "جعل العلم أساس بناء الفرد والمجتمع باعتبار أن الدين بدائي بطبيعته وعاجز عن مسايرة تطور الإنسان. وكان ينشر آرائه في مجلة "الجامعة" التي كانت تصدر في القاهرة"، إلى أن قال: "وقد حاول من قبل شبلي شميل تأصيل نظرية التطور في القرآن"، وذكر دعوته المتواصلة إلى العلمانية (١)، وهو أمر ظاهر لمن كانت مرجعيته آنذاك الثقافة الفرنسية العلمانية الصاعدة.

كانت المجلة -وصاحبها- أهم النوافذ على ثقافة تيار سائد في الفكر الفرنسي، فهناك الكثير من المبتعثين إلى فرنسا، ولكن ذلك كان محصورًا في النخبة والمتعلمين ولم يصل إلى الجمهور، فقامت المجلة بمثل هذا الدور. وكانت الفكرة السائدة في أوروبا عمومًا، وفرنسا خاصة ذات الثورة العلمانية


(١) هموم الفكر والوطن -الفكر العربي المعاصر، د. حسن حنفي ٢/ ٤٣٧ - ٤٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>