للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن العلم أنه البديل عن الدين في وضع التصورات وإدارة الحياة العامة والفردية، ومن هنا فلابد من التوجه إلى العلم والعلمانية، وفرنسا آنذاك تموج بتيارات علمانية وإلحادية خلفًا لتيار التنوير في القرن الثاني عشر/ الثامن عشر، من أمثال أتباع "سان سيمون" وأتباع "كونت" -أشهر فلاسفتهم آنذاك- وأتباع مفكريهم كـ"رينان" وغيره، كانت تيارات ضد الدين وتزعم أنها رُسل الروح العلمانية والعلمية الجديدة، وقد كان فرح أنطون من المتأثرين بهذه الأجواء، ومن المقلدين لها ولا يمنع أن تجد فيه فرنسا أداة لنشر ثقافة التبعية لها بين أوساط المسلمين ونصارى المنطقة، ولاسيّما أنها ترى منافستها اللدودة تحتل مصر.

كانت أخطر الأفكار انتشارًا في فرنسا مع التيار الوضعي هو الزعم بالعداء التام بين الدين والعلم، وأن العلم يمثل مرحلة من التطور الإنساني الذي لا رجعة عنه، وهناك فئات مادية وملحدة تريد تحطيم الدين وتلتصق بالعلم -كما رأينا في الفصلين الأولين- من أجل نشر دعواها، وقد نشطت الكنيسة في فرنسا في مقاومة هذا التيار الوضعي، ولاسيّما في مجال التعليم وكذا في الدفاع عن عقائدها بربطها بالعلوم الطبيعية؛ لأن هذه العلوم قد جعلتها الوضعية الفرنسية دليلًا على فساد الدين (١)، وهذا الصراع الحاد قد خفّ في النصف الثاني من القرن العشرين (١٤ هـ) (٢)، ولكنه كان قويًا في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر لحظة تتلمذ "فرح أنطون" وغيره على الثقافة الفرنسية، فنقل ذاك الصراع من فرنسا -بين التيار الوضعي والكنيسة- إلى العالم الإِسلامي، وصُوّر على أنه صراع بين الدين والعلم، كما حاول الناقل إقناع من يقرأ له أن سبب تأخر المسلمين راجع إلى بقاء الدين الموجه الأعلى للحياة (٣)، ومن ثمّ لابد من استبداله بالعلم ويبقى الدين مفصولًا عن حياة المجتمع كشأن فردي، وأن يكون


(١) حول هذا الصراع بين الوضعية الفرنسية والكنيسة انظر: العلمانية من منظور مختلف، د. عزيز العظمة ص ٣٥ - ٣٦.
(٢) نقل "هاشم صالح" في كتابه: العلم والإيمان. .، شهادات علماء في العلوم الحديثة عن مصالحة كبيرة بين العلم والدين داخل فرنسا، وسقوط تلك الدعوى الوضعية، وقد سبق ذكر بعضها.
(٣) انظر: النهضة والسقوط في الفكري المصري الحديث، د. غالي شكري ص ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>