للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعليم في المدارس معزولًا عن الدين تمامًا كما هو حال المدارس الفرنسية (١).

لم تكن حركة مجلة "الجامعة" مثل حركة "المقتطف"، فالجامعة تركز على فلسفة العلم وعلمانيته والدعوة لإحلاله محل الدين ونشر دعوات التيار الوضعي الفرنسي، وهي بهذا العمل تؤسس لنوع من الوضعية العربية المقلدة للنموذج الفرنسي، ومن بين النماذج التي غطت الكثير من أعداد المجلة التي حاول من خلالها نشر هذه الأفكار ما يأتي:

١ - عرض "أنطون" في مجلته رواية له بعنوان "الدين والعلم والمال" وذكر عنها أنها جاءت نتيجة مطالعة ثلاث سنوات في الجرائد والمجلات الفرنسية، وصور فيها ثلاث مدن بأهلها، مدينة الدين ومدينة العلم ومدينة المال، وما جرى بين سكانها من النزاع، ودعاوى كل فريق منهم على خصمه، وكيف انتهت مشكلتهم بالحل العلماني التي هي اليوم أكبر المشاكل عند كل الأمم والشغل لفلاسفة العمران ورؤساء الحكومات، وفيها بروز واضح لأفكار "كونت" و"ماركس" و"داروين" (٢).

٢ - أفسحت المجلة صدرها لـ"رينان"، صاحب الحملة النقدية الكبيرة على الكنيسة والمسيحية، وجعلها نموذجًا للتناقض بين الدين والعلم، وألقى محاضرته المشهورة عن علاقة الإِسلام بالعلم، منتقصًا من شأن الإِسلام أيضًا ولكن ليس من منطلق فكري مستقل، وإنما من خطاب استشراقي علماني وضعي ضد الإِسلام، وهو خطاب "يقدس الحضارة الهيللينية القائمة على عبادة العقل والحرية والجمال، بينما كان يمتهن الحضارة العربية الإِسلامية خاصة والسامية عامة، بوصفها عاكسة لجبرية كسولة، وإيمانية مغلقة، وعدم تسامح، وامتهان للفنون، ومناهضة للتفكير العلمي والفلسفي، ويذهب في هذا الاتجاه -مع بعض الترددات- إرنست رينان" (٣)، وهو في نقده للإسلام لا يختلف عن نقده لدينه؛ لأن موقفه الوضعي يجعله منتقدًا لكل دين وربما يكون أكثر تطرفًا مع الإِسلام


(١) انظر: المرجع السابق ص ١٧٨.
(٢) انظر: مجلد السنة الرابعة من مجلة "الجامعة"، العدد الخامس ص ٢٩٦، سنة (١٣٢١ هـ - ١٩٠٣ م).
(٣) الإِسلام والعلم بين الأفغاني ورينان، د. محمَّد الخشت ص ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>