للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحت ضغط هذه الرؤية الاستشراقية، وإن كان يعترف أحيانًا بموقف خاص تجاه الإِسلام فهو يراه على خلاف المسيحية أن له أصوله الواضحة التي يمكن الرجوع إليها، كما أنه يعترف أحيانًا بما يحدثه الإِسلام من انفعال به لدرجة أنه "ما من مرة دخل إلى جامع إلا وتأسف؛ لأنه ليس مسلمًا" (١)، ومع ذلك فموقفه من الدين عمومًا ومن الإِسلام أيضًا، ولاسيّما عندما يكون الحديث عن المقدس الجديد "العلم" يتحول لصالح الوضعية والعلمانية.

وإذا كانت المجلة أفسحت لـ"رينان" كناقد للمسيحية حيث ترجمت أجزاء من كتابه: "حياة المسيح" في عدة أعداد، إلا أن رينان يؤصل في ذلك لإثبات التناقض بين الدين والعلم عبر تطبيقه أدوات يُراد تعميمها على كل دين، وهي أدوات وضعية غير موضوعية تنتمي لتيار الوضعية؛ ولذا رفضتها الأطراف الأخرى. ومن ذلك إنكار المعجزات بحجة أن دراسته للمسيحية تثبت عدم صحتها، وهو تعميم خاطئ، فكون المسيحية قد امتلأت بالأكاذيب حول معجزات مزعومة، ووجود مثل ذلك في الأديان الأخرى: أرضية أو محرفة، فليس كل ذلك كافيًا للتعميم.

وقد جاء الرد اليتيم والمشهور من قبل "جمال الدين الأفغاني" ليكون الرد الإِسلامي الوحيد على حملة "رينان"، ورغم الاختلاف حول جودة رد الأفغاني إلا أنه الأول من نوعه الذي أيقظ ذاك السكون الطويل، حيث كانت الكتب والمجلات والمقولات تنتشر بين المسلمين دون أن يتجرأ أحد على نقدها (٢)، فكان صوت الأفغاني من أوائل الأصوات الإِسلامية في ردّ طعون المستشرقين والغربيين.

وقد يكون رد الأفغاني على رينان مما أثار حفيظة فرح أنطون، فأنشأ بعض المقالات في نقد الأفغاني، ومنها تعجبه من هجوم الأفغاني على الطبائعيين مع أن أكثرهم من أهل العلوم (٣)، وكأن انتسابهم للعلم يعفيهم من نقد المفكرين والنقاد.


(١) انظر: المرجع السابق ص ٢٨ - ٢٩.
(٢) انظر: زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين ص ٨٦ - ٩٣.
(٣) انظر: مقاله عن (فلسفة جمال الدين الأفغاني) في ثلاثة أعداد من مجلة الجامعة، السنة =

<<  <  ج: ص:  >  >>