للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - من بين المعارك التي وقعت في تلك المرحلة ما أثاره السياسي والمفكر الفرنسي "هانوتو" حيث كتب مقالًا عن الإِسلام بمناسبة سياسة فرنسا في المستعمرات الإِسلامية، وتعرض فيه للمقارنة بين المدنية النصرانية والمدنية الإِسلامية (١)، معليًا من شأن الأولى ومنتقصًا من شأن الثانية، ومما أثاره كغيره من فرنسيي تلك المرحلة: أن الإِسلام ضدّ المدنية والعلوم مُرجعًا ذلك إلى العقيدة الإِسلامية، ويتواصل الطعن في الإِسلام والمسلمين مع التركيز على إبراز مقولة أن الإِسلام ضدّ المدنية والعلوم النافعة، وربما يشعر بعض المسلمين من جراء الضعف والتخلف الذي هم فيه بصحة هذه المقولة، فينساقوا مع دعاوى التغريب والاستعمار.

جاء أحد الردود المشهورة آنذاك من قبل الشيخ محمَّد عبده وفرِح به المثقفون المسلمون آنذاك؛ لما فيه من إيقاظ العقول المخدَرة بتلك الشبهات، فتعود ثقة الناس بدينهم وتراثهم وحضارتهم وبإمكانياتهم الذاتية للنهوض من جديد، لقد أعطى ردّ محمَّد عبده شحنة مهمة للمسلمين، وهي أهم ما في الرد، أما تفاصيل الرد وسلامته وصحته العلمية والمنهجية فذاك موطن خلاف بين المطلعين عليه (٢).

ولكن "مجلة الجامعة" رغم حذرها من التعامل مع محمَّد عبده كانت تسير خارج السياق بسبب تبعيتها للثقافة الفرنسية الوضعية والاستعمارية فأخرجت مقالًا لكاتب بعنوان: "المسيو هانوتو والإِسلام"، وقالت: إنه "لكاتب فاضل ونستلفت إلى هذه المقالة أنظار جميع القراء" (٣)، وعرضت فيه دفاعًا عن هانوتو تحت دعوى التوازن، وأن له حسنات وسيئات ولكنه عاقل ومعتدل و. . . .، وأي عاقل يستهتر بحضارة أمة ويصورها كأنها ظاهرة تاريخية بشرية متخلفة! وأي معتدل وهو يبرر قيام الاستعمار بجريمته كأنه حق لفرنسا في مقاومة التوسع المنافس لها من قبل إنجلترا وغيرها!


= الخامسة (١٣٢٤ هـ - ١٩٠٦ م)، العدد الرابع ص ١٤٥، والعدد الخامس ص ١٩٦، والعدد السادس ص ٢٣٨.
(١) انظر: زعماء الإصلاح في العصر الحديث ص ٣٣٢.
(٢) انظر كلام "هانوتو" ورد الشيخ "محمَّد عبده" في كتاب: (الإِسلام دين العلم والمدنية) للشيخ محمَّد عبده، كلام هانوتو: ص ٤٩ - ٨٧، والرد عليه: ص ٨٨ إلى آخر الكتاب.
(٣) انظر: زعماء الإصلاح في العصر الحديث ص ٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>