وقد يعتذر البعض للمدرسة الحديثة بعذر شائع طالما كُرر هنا وهناك، بأن سبب الإصرار على الفصل والعناية بالعلوم العصرية بعيدًا عن النظام التعليمي الإِسلامي هو جمود علماء الشريعة، وإصرارهم على أقوال لا يقبلها العلم. ويُردّ على هذه الدعوى الكاذبة بأن علماء الإسلام في كل تاريخهم ما اعترضوا على علم نافع وصحيح (١)، وإن وجد بعض من اشتبه عليه الأمر في هذه العلوم أو أُلْبِس عليه أو أخطأ، فإن الصحيح عبر تحليل المشكلة أن هؤلاء المعترضين لم يكونوا السبب في صناعة الفصل وإنشاء مدرسة عصرية للعلوم الجديدة لا ترتبط بالأمة، وإنما كانوا ذريعة لمآرب أخرى، فإن وضع المدرسة الحديثة أعقد من ذلك بكثير:
إذ كيف يتصور وجود انسجام بين علماء الشريعة وبين مدرسة وضعها الأجنبي عبر إرسالياته أو عبر نفوذه السياسي ثم رعاها الاستعمار بعد احتلاله لبلاد المسلمين ثم بعد استيلاء مذاهب تغريبية على السلطة والتعليم؟ إن الوعي بمدرسة تُدار بهذه الصورة لا يمكن أن تلقى القبول عند الأمة إلا بعد تحويلها إلى مشروع للأمة وليس مشروعًا للأجنبي وأتباعه، ويصح التوقف مع العذر لو كانت المدرسة مشروعًا للأمة، ثم جاء بعض أبنائها ليعترض عليها، أما وهي مشروعٌ يبحث عن المصالح الشخصية أو مشروعٌ يرغب في اختراق الأمة فلا يمكن اعتبار ذلك العذر حقيقيًا، ويؤكد ذلك أن المدارس الإسلامية التي تبناها بعض فضلاء الأمة وجمعوا فيها بين العلم الموروث والعلم العصري تمَّ حصارها حتى أُقفلت، مثل مدرسة الشيخ حسين الجسر في بلاد الشام أو مشروع الشيخ محمد رشيد رضا في مصر، والحصار هنا بحرمانها من شروط الاستمرار وله صور وأشكال مختلفة، وقد كان يمكن لهذا النموذج أن يعالج الإشكال الناتج عن الفصل ويقضي على الازدواجية ويجعل العلوم في ذهن الطالب -وكذا تصور المجتمع- ذات طابع تكاملي، ولكن المشروع في ظل الأهواء الأجنبية حُرِم من الاستمرار، وبقيت المدرسة المغروسة بأيدي أجنبية دون حرص لمعالجة المشكلة.
(١) سيأتي بإذن الله بيان موقف العلماء في الفصل الخامس، التمهيد مع المبحث الأول، ص.