للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا فقد كرّست المدرسة الحديثة الفصل بين العلم الموروث بما فيه العلم الشرعي وبين العلوم الحديثة، كرستها على مستوى الإدارة ثم على مستوى المفهوم والثقافة والمصطلحات، فاتسعت الهوّة بينهما، فيما كان الأصل حدوث التعاون والتكامل بينهما، وقد تحول الفصل مع الأيام إلى عداء واستبعاد، فاستبعدت المدرسة في بعض فتراتها العلوم الإسلامية وعرضت ما ينافيها ورفعت من شأن العصري على حساب العلوم الإسلامية.

كانت المدرسة الحديثة منفصلة عن الأمة الإسلامية، عن همومها وآمالها، عن ثقافتها وموروثها، فلم تكن مشروع الأمة، بل كانت مشروع سلطة عند البعض ومشروعات تنصير أو اختراق عند آخرين، وفي كل الأحوال تولى إدارتها الأجنبي غالبًا، وعندما برزت حكومات مستقلة كادت المدرسة أن تتحول إلى مشروع تغريب، ولهذه الأسباب لم تراع المدرسة أول أمرها ثقافة الأمة ولم تهتم بمعالجة المشكلات المتوقعة من علومها ومعارفها ومناهجها، واستمرت في تقديم العلوم العصرية بخلفياتها الحضارية الغربية دون مراعاة لهوية الأمة (١)، وإن كان هناك بعض الجهات أخف من غيرها.

والكتاب المدرسي (٢) حاله كحال المدرس الأجنبي أو الإدارة الأجنبية، لقد كان طموح المبتعثين الأوائل اختيار بعض كتب الأوروبيين وترجمتها، وتكوّن منها ومن عمل بعض الغربيين التابعين لمدارس التنصير الكتاب المدرسي، وهؤلاء لم ينتبهوا إلى اختلاف البيئات الدينية والثقافية، فلم تراع عند وضع الكتب المدرسية. لقد كان السائد في فرنسا بعد الثورة العلمانية والاجتماعية مذاهب علمانية ومادية تُؤلَف في ظلها الكتب المدرسية؛ ولذا تتوافق كتبهم المدرسية مع المبادئ والتصورات السائدة في بيئتهم، وكمثال فعندما نقرأ كتاب ربنا سبحانه حول الآيات الكونية من تعاقب الليل والنهار والحرّ والبرد والفصول وحركات النجوم والكواكب وأحوال الأرض وما يحيط بها من مطر وريح وغير ذلك، نجد كل ذلك مرتبطًا بالإيمان بالله سبحانه، فهذه الأمور يُغفِلها الكتاب


(١) انظر: المد الإسلامي. . . .، أنور الجندي، مبحث تحديات في وجه التعليم والتربية والثقافة ص ٣٤١ وما بعدها.
(٢) انظر الدراسة المميزة: غزو في الصميم، عبد الرحمن الميداني، وعن الكتاب ص ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>