مشروع طموح للحصول على السلطة وليس مشروع إنقاذ أمة، والثاني مشروع تنصير أو احتلال يرغب في اختراق الأمة عبر التعليم ليهيئها لقبول دين آخر أو قبول سلطة أخرى (١)، فلا يُستغرب في مثل هذه الظروف أن تقدم العلوم العصرية بصورة سلبية وبما يتلاءم مع أهداف مؤسسيها.
عاشت "المدرسة الحديثة" -بعد ولادتها- أطوارًا مختلفة، ففي طورها الأول كان الأجنبي يتحكم بإدارتها والتدريس فيها ويزرع ما يريد فيها في ظل ضعفنا في تجارب الولاة العثمانيين، وفي طور لاحق كانت المدرسة تحت إدارة المستعمر مباشرة -بعد الاحتلال الواسع لبلاد المسلمين- ووضع أشخاصًا على هرم السلطة التعليمية لتوجيه "المدرسة" وما يتبعها وفق أغراضه، وعندما انقشع الاستعمار عن بلاد المسلمين نشأت خلفه تيارات فكرية استولت على السلطة ذات توجه تغريبي واضح، نحو الشرق الشيوعي أو الغرب الرأسمالي، ووجهت تبعًا لذلك "المدرسة"، فكانت المدرسة في جميع هذه الأطوار مشتتة المسار بين تحقيق رسالتها الشريفة وبين تحقيق أهواء موجهيها.
وبما أنها المسؤول الأول عن تعليم العلوم العصرية ومناهجها ونظرياتها وفلسفتها وتطبيقاتها؛ فهي بحاجة لأن ننظر في قيمة دورها، حيث كان المؤمل أن تفتح لنا "المدرسة العصرية" أبواب التقدم والتطور والنهضة فهل حققت ذلك؟ وهل نجحت تلك المدرسة في استيعاب الجديد من العلوم دون أن تصنع إشكالات مع المجتمع وثقافته؟
بما أن هناك مشكلة ظهرت في العلوم العصرية حيث ظهر من يحاول إقناع
(١) يقول "أرسلان" عن الحرب التي قامت بها هذه المدارس الأوروبية: (فمن جهة الحرب العلمية فمدارسها ومكاتبها حتى مستشفياتها في الشرق كلها مواقد إثارة على الدولة -أي: العثمانية، الباحث- ومنافخ نار، يخرج منها التلاميذ كارهين كل شيء عثماني، بل كل شيء إسلامي، وما شذ عن ذلك فيكون من متانة تربية الأولاد، وتأثير والديهم فيهم في البيت، لا من توقي أساتذة تلك المدارس الطعن في دينهم ودولتهم، بل هم يطعنون ما يطعنون في أهل الإسلام، ويشوهون ما يشوهون من محاسنه. . . . وإذا عاتبتهم على صنيعهم هذا قالوا لك: إنما نريد أن نعلم الناشئة الحقائق، فكيف تريد أن يخرج من تخرج من هاتيك المدارس، لا جرم أنه يخرج حربًا على دولته وملته. . . .)، إلى العرب: بيان للأمة العربية عن حزب اللامركزية، الأمير شكيب إرسلان، وهو يصور الصراع عشية الحرب العالمية الأولى، وهو ملحق بكتابه تاريخ الدولة العثمانية ص ٥٣٨.