للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأوروبيين وسبل الأخذ عنهم (١). وهو بحث مهم دون شك، إلا أنه كُتب بعيدًا عن مراكز العلم الداخلية وعن مشيخة الإِسلام في السلطنة، ومع ذلك فلم تحقق هذه الجهود ثمرة واضحة، بل فتحت الباب للأجانب "مهام إرساء الأنظمة التعليمية الغربية في قلب الإمبراطورية العثمانية"، ولاسيّما الفرنسيين حيث كان يوجد منهم العشرات زمن السلطان سليم، فأقاموا المعاهد والمدارس، وأدخلوا أنظمة تعليمية جديدة، وأصبح تدريس الفرنسية إلزاميا (٢)، ثم انقلبت "الإنكشارية" على تلك القرارات وعُزل السلطان ثم قُتل، ومما قيل في سبب عزله "أنه أدخل أساليب الفرنجة وعوائدهم إلى الجيش، ولم يقف عند الاستفادة بالتقنية الحديثة؛ مما يشكل خطرًا على عقائد الأمة. . . ." (٣)، وحسب رأي المستشرق "مالكولم ياب": فإن صلته بفرنسا أعطت أعداءه فرصة في تصوير الإصلاحات التي أدخلها أنها من بدع الكفار (٤).

نلاحظ أنه لأكثر من مئة عام لم تحسم المشكلة، استمرت منذ (١١١٥ هـ - ١٧٠٣ م) زمن تولي السلطان أحمد الثالث إلى نهاية ولاية السلطان سليم الثالث (١٢٢٢ هـ -١٨٠٧ م)، وعادة ما يُلقى اللوم على "الإنكشارية"؛ وهي فرقة قوية من فرق الجيش متأثرة كثيرًا بطريقة مبتدعة تدعى "البكتاشية" خلطت بين التشيع والتصوف (٥) , فبقي الاضطراب قائمًا، فمطالب السلطنة غير مدروسة، مع وجود فئة متحكمة كالإنكشارية ترى في نفسها الأحقية في تحديد المقبول والمرفوض وفرض مصالحها دون أن تكون أهلًا لذلك، فتُرك الموقف مما عند الغرب مضطربًا، فالرؤية الدينية عادة ما تُمثل بموقف الإنكشارية البكتاشية، ولم تخرج رؤية شرعية وثقافية واضحة حول الموقف من الغرب، ولا الموقف السياسي


(١) انظر: الانحرافات العقدية والعلمية. .، الزهراني ص ٨٧٦، وذكر قيس عزاوي أن مبعوث السلطان لزيارة العواصم الأوروبية "راتب أفندي"، وكتب تقريره في خمسمئة صفحة، انظر: الدولة العثمانية. . . .، له ص ٤٧.
(٢) انظر: الدولة العثمانية. قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، قيس عزاوي ص ٥١.
(٣) انظر: الدولة العثمانية، الصلابي ص ٣٧٤، وانظر: الدولة العثمانية. . . .، قيس عزاوي ص ٤٨ - ٤٩.
(٤) انظر: نشوء الشرق الأدنى الحديث. . . . ص ١١٨.
(٥) انظر: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، عبد الرحمن عبد الخالق ص ٦٥٧ - ٦٧٩، وحول تأثيرها في الانكشارية ص ٦٥٩ - ٦٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>