للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان السلطان الثاني الذي انفتح على أوروبا محمود الأول (١١٤٣ - ١١٦٨ هـ / ١٧٣٠ - ١٧٥٤ م) فتابع مسيرة سلفه، واستقدم مستشارًا فرنسيًا في الأمور العسكرية وصناعاتها، وقد عارض ذلك طائفة الإنكشارية (١) التي ستصبح فيما بعد قوة معارضة مزعجة في السلطنة دون امتلاكها رؤية صحيحة فيما تعارض أو تقبل.

وساد النفوذ الفرنسي زمنه "في الأستانة، إلى أن صار كلُّ شيء بيد فرنسة تقريبًا، وطلبت فرنسة تعديلات في الامتيازات الأجنبية. . . . فأجيبت إليها. ." (٢)، فبدأ التغلغل الأوروبي في المركز السياسي للعالم الإِسلامي تحت مظلة الرغبة في التحديث لاسيّما العسكري منه.

جاءت المحاولة الثالثة من السلطان سليم الثالث (١٢٠٤ - ١٢٢٢ هـ/ ١٧٨٩ - ١٨٠٧ م)، فبعد خوضه معارك داخل أوروبا ثم خسارته فيها، تعزز عنده أهمية تطوير الجيش وتحديثه على شاكلة الجيوش الأوروبية، وكانت السلطنة في أسوأ ما تكون وكان نموذج إصلاحها المتخيل هو أوروبا، فكان "مقتنعًا بوجوب إصلاحها، والأخذِ في إدارتها بالطرق العلمية الأوروبية، وكانت هذه الفكرة قد ملأت دماغه، فتجشّم مشقة إجرائها، وأنفذ كثيرًا منها" (٣).

طغى نموذج التقدم المادي الأوروبي على القيادة السياسية، ورأت الحلّ في مجاراة تلك الدول دون انتباه للإصلاح الذاتي أولًا، ودون إخراج مشروع واضح المعالم في طبيعة العلاقة بالغرب. بدأ السلطان بطلب معرفة حال أوروبا عن طريق أعوانه، وفي سنة (١٧٩١ م) طلب من اثنين وعشرين من الأعيان رفع توصيات من أجل إدخال الإصلاحات على السلطنة، كما راسل أوروبا لمزيد من المعلومات، وأبدى رغبته في استخدام مستشارين، ولاسيّما من فرنسا، وفتح سفارات في أوروبا فاطلع مجموعة من السفراء على أوروبا عن قرب (٤)، وكلف "إبراهيم باشا" الصدر الأعظم "سعيد أفندي" بكتابة بحث عن أسباب تقدم


(١) انظر: الدولة العثمانية. . . .، الصلابي ص ٣٤٥.
(٢) انظر: تاريخ الدولة العثمانية، أرسلان ص ٢٤٨.
(٣) المرجع السابق ص ٢٥٨.
(٤) انظر: نشوء الشرق الأدنى الحديث (١٧٩٢ - ١٩٢٣ م)، مالكولم ياب ص ١١٧ - ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>