للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحقيق رسالته، فانخرط في تيارات غربية كانت قد صفّت حسابها مع الدين المعروف في بيئاتهم "اليهودي والنصراني" بفرقه ومذاهبه، إلا أن تلك التيارات تزعم أنها بعد أن تخلصت من الدين، توجهت نحو العلم، وقد ظهر واضحًا في التيارات المادية ولاسيّما الماركسية والتيارات الوضعية، فهي تيارات تدّعي العلمية وتمثيلها للعلم، كما أنه يغلب على أتباعها الولاء الشديد والتبعية العمياء.

من بين أبرز الشهادات على هذه التبعية المطلقة ما نجده عند أحد رموز الفكر التغريبي "سلامة موسى"، ففي أواخر النصف الأول من القرن الماضي كتب مقدمته المشهورة لكتابه "اليوم والغد" ويقول عن خلاصة تجربته: إنها "تتلخص في أنه يجب علينا أن نخرج من آسيا وأن نلتحق بأوروبا؛ فإني كلما زادت معرفتي بالشرق، زادت كراهيتي له، وشعوري بأنّه غريب عني؛ وكلما زادت معرفتي بأوروبا، زاد حبي لها، وتعلقي بها، وزاد شعوري بأنها مني وأني منها"، إلى أن قال: "وأريد من التعليم أن يكون تعليمًا أوروبيًا لا سلطان للدين عليه ولا دخول له فيه" (١)، ثم قال: "أجل، يجب أن نكون أوربيين، بل أوربيين صالحين، نشترك في "عصبة الأمم" ونعمل لتقدم العلوم، نخترع، ونكتشف، ونقدم مواهبنا لخدمة الإنسان ورقيِّهِ، ونعيش عيشة حرة بعيدة عن التعصب أو الجمود، بحيث ينتفع منا العالم كما ننتفع به. هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي سرًا وجهرة. فأنا كافر بالشرق، مؤمن بالغرب. . . ." (٢)، وكان يوسم عند محبيه بأنّه أحد دعاة النهضة العربية، وأنه يريد تأسيسها على قواعد صلبة على غرار ما تم في الغرب "استنادًا على العلم الحديث ونظرياته، وفي مقدمتها نظرية التطور" (٣)، وهذا يعني أنه لابد من ترك مصادرنا تمامًا واستبدالها بالعلم الذي هو في النهاية صورة فلسفية إلحادية تبناها بعض شُرّاح نظرية داروين، وأرادوا تعميمها كإطار عام لماديتهم، وبزعم أنها هي العلم.

وعلى منوال الكتابات التغريبية يدعو لتجاوز العصور الوسطى المظلمة تقليدًا للتحقيب الأوروبي لعصورهم، فهي عندنا كما يقول: "التقيد بالنصوص في


(١) اليوم والغد، سلامة موسى ص ٥.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٧.
(٣) انظر: سلامة موسى بين النهضة والتطور، د. مجدي عبد الحافظ ص ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>