للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتب الموروثة، دون مباشرة الطبيعة، بتسليط العقل عليها، واستخراج المعارف منها. وهي سيادة العقائد على المعارف. وهي الاكتفاء بالثقافة الدينية دون الثقافة المدنية"، وأهم خطوة عنده لتحقيق ذلك هو رفع شعار العلمانية التي خلّصت أوروبا من أديانها، "هذه النزعة الأوروبية، التي شملت جميع الأمم المتقدمة، جاءت بعد ما قارن الناس بين العلم والدين، واختاروا العلم الذي وجدوه أثبت. هذه الخطوة ذاتها، وهي تجرؤ العقول على الدين، ورفض الإيمان الأعمى به، جعلت العقول تتجرأ أيضًا على سائر الأمور الاجتماعية. . . . فصار الناس يفكرون مثلًا في الطلاق والزواج، والعائلة، والامتلاك، وأصل العالم، بدون أن يحسبوا حسابًا لسلطة إلهية تدبر هذه الأشياء" (١).

وقريبًا من هذا الإعلان التغريبي نجد عند "طه حسين" قوله: "كل هذا يدل على أننا في هذا العصر الحديث نريد أن نتصل بأوروبا اتصالًا يزداد قوة من يوم إلى يوم، حتى نصبح جزءًا منها لفظًا ومعنى وحقيقة وشكلًا" (٢)، ويقول: "لكن السبيل إلى ذلك ليست في الكلام يرسل إرسالًا، ولا في المظاهر الكاذبة والأوضاع الملفقة، وإنما هي واضحة بينة مستقيمة ليس فيها عَوَجٌ ولا التواء. وهي واحدة فذة ليس لها تعدد وهي: أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادًا، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرِها وشرِّها، حلوِها ومرِّها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب. ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع. . . ." (٣)، وحسب رأيه فاستقلالنا العلمي والفني والأدبي لا يتحقق إلا بوسائله وهي "أن تتعلم كما يتعلم الأوروبي، لنشعر كما يشعر الأوروبي، ولنحكم كما يحكم الأوروبي، ثم لنعمل كما يعمل الأوروبي، ونصرف الحياة كما يصرفها" (٤)، ومن العجب أن كل هذه التبعية المدهشة والتقليد الأعمى يعرض على أنه المستقبل لثقافتنا.

وقد اشتدت هذه التبعية مع بروز تيارات فكرية وأحزاب سياسية ذات منظور


(١) انظر: سلامة موسى بين النهضة والتطور ص ٩٢ - ٩٣، وكتاب سلامة موسى، ما هي النهضة ص ١٠٤ عن عبد الحافظ.
(٢) مستقبل الثقافة في مصر، د. طه حسين ص ٣٣.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٤١.
(٤) انظر: المرجع السابق ص ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>