للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجانب المعنوي، فمهما بلغ تقدم هذه العلوم فإنها تبقى تائهة بإهمالها الوحي الذي نزل للنفس الإنسانية والمجتمع. وهذا يجعل المهمة صعبة وكبيرة على الأمة الإِسلامية المعتزة بدينها الواثقة بمصدرية الوحي الذي بين يديها، في تصحيح مسار هذه العلوم بعد أن رفضت الوحي مصدرًا للمعرفة، واكتفت بالحسي أو العقلي. ويبقى هذا موطنَ صراع بين الاتجاه الإِسلامي الذي يجتهد في الإبداع المعرفي والحضاري القائم على استخلاص النافع من هذه العلوم وإعادة الاعتبار لمنزلة الوحي في توجيهها، وبين الاتجاه التغريبي الذي يحرص على تقليد الغرب في علاقته بالوحي وحرصه على علمنة المعرفة وتفريغها من كل معنى ديني.

دعوى تغريبية: ويحسن في هذا الموطن مناقشة تلك الدعوى التغريبية التي طالما أثاروها ضد خصومهم من الاتجاهات الإِسلامية، فيقولون: إن دعاة أسلمة المعرفة يدّعون أن الدين والوحي فيهما المسائل الرياضية والطبيعية، العقلية والتجريبية، الاستنباطية والاستقرائية، فيهما مسائل الرياضة والهندسة والفيزياء والكيمياء وغيرها.

والذي يظهر أن أهل التغريب مقصدهم منها الخصومة فقط وتشويه موقف الاتجاه الإِسلامي، وهو يكشف أن الهوى هو السائد على الاتجاه التغريبي في اتخاذه لمواقفه، وأنه يُضحي بكل بعد أخلاقي للجدال والمناقشة. ومع قناعة الباحث بأن هذا هو دافعهم لمثل هذه المقولة إلا أنه من باب التنزّل مع الخصم يقال: إن دعاة التأصيل الإِسلامي للعلوم -أو أسلمة المعرفة أو التوجيه الإِسلامي أو غير ذلك- ممن يحرصون على المرجعية الإِسلامية لم يقصدوا بذلك أن يتحول القرآن والسنة إلى معادلات رياضية أو تفاعلات كيميائية، فهذه ميدانها الاستنباط العقلي والتجريب والاستقراء، ويكفي الدينَ أنه حثّ على النافع الصحيح من المعرفة ودعا إلى ربطها بما ينفع الناس في دنياهم وأخراهم، وأطّرها برؤية شمولية ربانية. ولم نعرف أحدًا من أهل العلم المعتبرين في كل التيارات الإِسلامية قد قال: إن الوحي يحوي تفاصيل المسائل الرياضية والهندسية والفيزيائية والكيميائية وغيرها، وكلامهم يرجع إلى أن الدين قد حثّ عليها ودلّ عليها، ومن ذلك حثه على تحصيل العلم النافع، أو أن الدين لا يعارض هذا العلم النافع، أو أنه يربط هذه المعارف برؤية متكاملة متعاونة:

<<  <  ج: ص:  >  >>