للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثقافته ولا هو بالمحسوب فعلًا على حضارة الغرب رغم صدقه في الالتصاق بها. فجاء تيار إصلاحي إسلامي عُرف تحديدًا مع "جمال الدين الأفغاني" و"محمَّد عبده" فتبنى موقفًا جديدًا من الحضارة الغربية، لم يكن بالموقف الرافض ولم يكن في الوقت نفسه بالموقف التغريبي، كان موقفًا انتقائيًا عاقلًا مع جهده في معالجة المشكلات المتكاثرة آنذاك والمؤثرة في شباب الأمة، وغلب على طريقتهم منهجية التأويل والتوفيق دون الجرأة على المساس بمسلمات الحضارة الغربية. ولا شك أننا نجد تفسيرًا لهذا الموقف إذا تفهمنا طبيعة عصرهم دون أن نبرر لهم فعلهم، فالموقف يبقى ضعيفًا وخطيرًا؛ فهو ضعيف؛ لأنه جعل عمله فقط في إبداع القوالب التي تسمح بتسرب الحضارة الغربية دون القدرة على مواجهتها المواجهة الحضارية القوية، وهو خطير؛ لأن من جاء بعدهم حوّلوا منهج الطوارئ إلى منهج ثابت يتسع مع الأيام، فتوسع الأتباع في منهج "التأويل" ليظهر عندنا فيما بعد دينًا مبدلًا بعد أن كان مؤولًا، وسنتعرف على هذا الموقف بإذن الله في المبحث الثاني من هذا الباب.

يبقى معنا "الموقف السلفي" الذي تعرفنا على بعض رموزه وبعض أصول منهجه لنبحث الآن في مشروع دعوته إلى التأصيل الإِسلامي للعلم البشري، أيًا كان نوعه وأيًا كان مصدره، ومن أي حضارة جاء. فهو يرفض من منطلق شرعي موقف المحافظين كما أنه يرفض موقف التيار التغريبي لأكثر من سبب؛ فالأول موقف ضعيف والثاني موقف خطير، كما أنه يُصحح موقف التيار الإصلاحي التوفيقي. فجعل محور دعوته: التأصيل الإِسلامي للعلم النافع، وهو أوسع من الدعوة إلى طلبها وتحصيلها ومعرفتها، فإن التأصيل الإِسلامي لا يتأتى إلا بالمشاركة الحقيقية في هذه العلوم، ويتجاوز أيضًا مسألة التوفيق لما فيها من ضعف وما ينتج عنها من مشاكل.

يأخذ موضوع التأصيل الإِسلامي للعلوم أو موضوع الأسلمة كما اصطلح عليه عند البعض حيزًا كبيرًا من نشاط الاتجاه السلفي، مع العلم أنه ليس وحده في هذا الميدان بل هناك أطياف إسلامية أخرى اقتنعت بأهمية التأصيل الإِسلامي وتجتهد في تحقيقه. أقف -باختصار- مع مشروع "الندوة العالمية للشباب الإِسلامي" من بين عشرات المؤسسات الأكاديمية والثقافية التي تهتم بهذا النوع؛

<<  <  ج: ص:  >  >>