للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من غيره من المفسرين مع ما يظهر في بعضها من مخالفة لمعطيات علمية حديثة، ثم لا تجد اجتهادًا من الناقل، بحيث يتأكد من صحة الأقوال المنسوبة، أو من صحة فهم المعنى، فإن ثبت الأمران فقد يكون من الاجتهاد الذي أخطأ فيه العالم -وله أجر اجتهاده- إذا خالف معطيات علمية صحيحة، ومثل هذه تحتاج الرجوع لأهل العلم.

وكمثال، فأثناء استشهادات الشيخ توقف عند قوله -تعالى-: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: ٣٣]، وآية يس: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:٤٠]. فنقل عن تفسير "الطبري" قول "عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال ما نصه: الفلك الذي بين السماء والأرض من مجاري النجوم والشمس والقمر، وقرأ: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (٦١)} [الفرقان: ٦١]، وقال: تلك البروج بين السماء والأرض" (١). قال "ابن كثير" حوله: "ورواه ابن أبي حاتم وهو غريب جدًا بل منكر" (٢)، فقال الشيخ "ابن باز" معلقًا على كلام ابن كثير: "وقد نقل الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في التفسير كلام ابن زيد هذا وأنكره، ولا وجه لإنكاره عند التأمل، لعدم الدليل على نكارته" (٣). وابن كثير -رحمه الله- كان ينقل مما عُلم في عصره من "علم الهيئة" بل يذكر اختلافهم (٤) حول ترتيب الفلك مما يدل على اطلاعه على هذه العلوم بحسب ما وصل إليه العلم في زمنه، ومن المعلوم بأنه علم يقبل التطور وقد حدث له شيء كثير بعد عصره، وهو -رحمه الله- لم يُغفل هذا العلم أثناء تفسير القرآن، ولكن لا يشترط أن صورة العلم في زمنه كانت كاملة، وحسبه أنه اجتهد فمن الخطأ أن نتوقف عند المكان الذي وقف فيه فيما يقبل النظر والبحث والاجتهاد، والله أعلم.

وبهذه الآداب والتوجيهات والمنهجية أختم هذه الوقفة مع الشيخ "ابن باز" -رحمه الله-، والغرض منها إبراز هذه الرؤى السلفية، وإزالة الأوهام والأكاذيب الملفقة على الأعلام السلفيين، وبالله التوفيق.


(١) الوصول إلى القمر ص ٩٠ - ٩١.
(٢) تفسير ابن كثير ص ١١٠٩ - ١١١٠.
(٣) الوصول إلى القمر ص ٩١.
(٤) كمثال انظر: تفسير ابن كثير، [الرعد: ٢]، [الذاريات: ٧]، [نوح: ١٥]، وانظر: [الكهف: ٨]، [يس: ٣٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>