واجهت الكنيسة أول نظرية علمية حديثة بمثل هذا الخليط المسمى زورًا بالتصور الديني، وهي مواجهة محسومة من البداية، وكانت لصالح النظرية العلمية، إلا أن ذلك تمّ بعد أن دفع العلماء والعقلاء ثمنًا باهظًا، وخسرت الكنيسة بعد أن خلّفت وراءها ازدراء العقلاء لموقفها وكانت مصيبة العلم أن عمم ذلك الموقف على كل دين.
لقد رسمت الكنيسة صورة لا تُمحى بسهولة، صورة مفادها أن الدين لا يقبل العلم ولا يتوافق معه؛ بل هو عدوّ له، بخلاف المؤثرات الأخرى في مسيرة العلم، فهي قد قبلت العلم ولكنها انحرفت به في ظل انضمامها للجسد العلماني وتحولها إلى عضو من أعضائه، تسعد بسعادته وتتألم لألمه وتتحرك وفق غاياته.
ومما عمق موقف الكنيسة تجاه العلم -وهي الممثلة للدين هناك- تلك الحلول التي قدمتها الكنيسة للخروج من المشكلة، وهي حلول مؤقتة، حبوب مسكنة ما تبرح أن يذهب مفعولها ويرجع الصراع إلى الواجهة، فهي في وقت قوتها اتخذت موقف التكفير للمخالفين وتكذيب نظرياتهم ورميهم في السجون أو إعدامهم دون أن تملك معيار الحقيقة، وعند ضعفها وانتشار التكذيب بين الناس لمقولاتها؛ فإنها تعمد إلى القول بمجازية لغة النصوص الدينية ورمزيتها، وعدم النظر إليها نظرًا حرفيًا، بل لابد من التأويل الذي يتم في كل عصر بما يناسبه أو القول عند بعض عقلائهم بمبدأ الظاهر، فالنصوص التي يفهم منها أن الشمس هي التي تدور حول الأرض تفسر بالظاهر، أي أن هذا هو ما يظهر للناظر العادي. وعندما شاعت -مثلًا- نظرية الانفجار العظيم في علم الفلك المعاصر اعتمدتها الكنيسة حتى لا تتهم بالتخلف عن ركب العلم، مع أن العلم قابل للتغير والنظريات قابلة للتطور، ولكن الكنيسة بسبب أخطائها المتتالية ركبت قطارًا لا تستطيع تغيير مساره.
والحديث يطول مع مشكلة الكنيسة في العلم الحديث، والخلاصة لما سبق بأنها مشكلة ذات جذور قديمة بدأت مع دخول النصرانية لأوروبا وقيامها بخلط مكوناتها المحرفة بمعارف أوروبا الوثنية، ثم ترسخت في عصور لاحقة. ونشأت الكنيسة كمؤسسة ترعى النصرانية وتهتم بالعلم، ومع التطورات الاجتماعية وبروز معارف جديدة أدخلت نفسها في نزل مع تلك المعارف وهي غير مؤهلة لذلك، بسبب الجهل والظلم، فمعارفها مليئة بالجهل ومعاملتها للناس مليئة بالظلم. وقد