للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنظار إلى التجارب الإِسلامية في الإصلاح والتحديث ولاسيّما تجربة محمَّد علي في مصر، وذلك أن المغرب فيها المقومات نفسها وتواجه التحديات نفسها، وعندها مركز علمي مهم وهو جامع القرويين، فكيف كانت التجربة المغربية في البحث عن أساليب التحديث بما في ذلك طلب العلوم العصرية؟

لم تنقطع العلاقة بين السلطة وجامع القرويين كما حدث في التجربة المصرية بين السلطة والأزهر، ولكن جامع القرويين لم يستطع معالجة مشكلة "العلوم العصرية" كحال الأزهر والزيتونة، فهذه المراكز العلمية المهمة لم تستطع استنبات العلوم العصرية التي تحتاجها الأمة وتعتمد عليها الدولة في إعداد العدّة وبناء القوة ونفع الناس، وقد كانت الموانع ذاتية وخارجية، فإن تلك الجوامع العلمية لم تكن تخلو من معوقات التقدم، من جهة المناهج المنتشرة فيها وطرق التدريس، وكذا علماؤها الذين جمعوا بين علوم الكلام والتصوف مع العلوم الشرعية الأصيلة، تسببت هذه التناقضات في إعاقة أثرها الحقيقي في إنتاج المعرفة النافعة في الدين والدنيا.

كما أن هناك معوقات خارجية منها ما يتعلق بالسلطة كما رأينا في التجربة المصرية أو ما يتعلق بالعلاقة مع الغرب ذاته، فأوروبا لا يمكن أن تعطينا علمًا ينفعنا ويزيد من قوتنا؛ لأن في ذلك من التهديد لها مستقبلًا، وفيه من تخفيف قوتها وسلطتها وتفوقها وهو أمر يمكن فهمه وعدم استغرابه.

فهذه المعوقات الذاتية والخارجية منعت انطلاقة جامع القرويين وغيره، مع العلم بأن جامع القرويين لم يكن يجهل العلوم المادية النافعة، ففي ترجمة أحد طلابه "ابن السنوسي المتوفى سنة ١٢٧٦ هـ" الذي قدم إليه لأخذ العلم عن رجاله، حيث وصف العلوم التي تدرس فيه ذلك العهد، "وذكر منها علم الفرائض والحساب والإسطرلابَيْن وصناعتهما، والرياضيات والهندسة والهيئة، والطبيعية، والأرثماطيقي، وأصول قواعد الموسيقى، والمساحة والتعديل والتقويم وعلم الأحكام والينس "بكسر النون" والوقف والقواعد الجفرية، وأصول الزايرجية، والبسط والتكسير، والجبر والمقابلة، وغيرها" (١)، وكان هذا في عهد السلطان


(١) جامع القرويين المسجد والجامعة بمدينة فاس موسوعة لتاريخها المعماري والفكري، د. عبد الهادي التازي ٣/ ٧٢٦، وذكر الدكتور بأن بعضها فيها تداخل وبعضها غير واضح، =

<<  <  ج: ص:  >  >>