للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُعل هذا المصطلح ستارًا تمّ من خلفه محاربة كل ماله صلة بالغيب بحجة اختلاطه بالميتافيزيقا التي تتنافى مع العلم والحس والتجريب.

كانت البداية مع النقد الجذري الذي قام به ديفيد هيوم للميتافيزيقا، وله مقولة مشهورة أصبحت منهجًا لمن بعده، حيث يقول: "إننا إذا ما استعرضنا المكتبات مزودين بهذه المبادئ فيا لها من إبادة تلك التي نضطر إلى فعلها، فلو تناولنا بأيدينا كتابًا في اللاهوت أو في الميتافيزيقا المدرسية -مثلًا فلنسأل: هل يحتوي هذا الكتاب على تدليلات مجردة خاصة بالكم والعدد؟ لا. هل يحتوي على تدليلات تجريبية خاصة بأمور الواقع والوجود؟ لا. إذن فألق به في النار؛ لأنه يستحيل أن ينطوي على شيء غير السفسطة والوهم" (١). والنص واضح وبيّن في مراده، فالمعرفة الوحيدة الحقيقية والمقبولة في رأيه إما أن تكون رياضية وإما أن تكون طبيعية تجريبية، وما سواهما فسفسطة ووهم ويجب إحراقها.

لقد مثل هذا الموقف الرافض لكل ما هو غير رياضي أو تجريبي أهم عمل لهيوم وكان أكثرها شهرة، وفي ذلك يقول "كانط": "منذ بداية الميتافيزيقا لم يحدث أمر حاسم لمصيرها مثل الهجوم الذي وجهه إليها ديفيد هيوم" (٢)، وعدّها "زكي نجيب محمود" "الضربة القاتلة الأولى للتفكير الميتافيزيقي" (٣). وأي باحث مسلم يعلم بأن اللاهوت والميتافيزيقا الفلسفية مليئة بالأوهام المخالفة لما في الوحي إن كان ما تعرضه دينيًا، أو لما في الطبيعة إن كان ما تعرضه علومًا طبيعية، إلا أن الاتجاه التجريبي في الوقت نفسه قد قام بإدخال كثير من المسلَّمات الدينية تحت مسمى الميتافيزيقا، فنُفيت من مجال المعرفة الحقة والصحيحة، وأدخلت في مجال الوجدان، وانتقص من قدرها العلمي بحجة عدم دخولها في المجال الرياضي أو الطبيعي، ولهذا نجدهم لا يقرون بالدين والنبوات والشرائع، ومن وُصف منهم بالإيمان فمقصدهم الإقرار بوجود الرب سبحانه، ومَنْ قَبِل منهم شيئًا من الدين فقبله مؤسسًا للضمير الأخلاقي فقط، وهذا هو مفهوم الدين الطبيعي عندهم.


(١) الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم، د. محمَّد الخشت ص ٦١ - ٦٢، وانظر: موقف من الميتافيزيقا، زكي نجيب ص ٢٥.
(٢) الأخلاق عند كنت، عبد الرحمن بدوي ص ٩.
(٣) نحو فلسفة علمية ص ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>