التي أُعجب شيخها بالحضارة الغربية، وتصادق مع الإِنجليز، وتحول إلى داعية لتلك الحضارة ومبشرًا بها، دون أن يُظهر قدرته على الاختيار المستقل والنقد. فقد أخذ بالحل الأسهل وهو قبولها بحذافيرها مع الابتداء بالجانب الفكري والأدبي فيها، الذي هو الأكثر إشكالًا حتى في بيئتها الغربية. واختيار الحلّ الأسهل ليس بطريق الأقوياء الواثقين من هويتهم، والقادرين على التفاعل الإيجابي -لا السلبي- مع غيرهم، وهو خطأ التيار "الديوبندي" نفسه في اختياره للحل الأسهل القائم على الرفض العام للحضارة الغربية. فهو ليس بطريق الأقوياء بل أقرب إلى طريق المستهترين بهويتهم أو الخائفين، وما كان هذا الأصل في الأمة الإِسلامية في أثناء مواجهتها للتحديات.
بدأت معالم الضعف تتكون في مدرسة "سيد أحمد خان" لتنتشر بعده إلى أغلب بلاد المسلمين، وسنرى فيما بعد أن الشيخ محمَّد عبده يُشبّه في مواقفه -مع كونه أعقل- بسيد خان الهندي، مما يدل على أن طريقته تعممت على مستوى العالم الإِسلامي، فهي وإن جرّأت أتباعها على اقتحام الحضارة الغربية؛ فإنها أعطتهم السلاح الضعيف، منحتهم ما يساعدهم على الدخول دون أن تعطيهم ما يحميهم في الوقت نفسه من الآثار الجانبية لهذا الدخول.
الطبيعة والتأويل:
يُعد "سيد أحمد خان" بين أتباعه من علماء الشريعة، ولذا كان موقفه يمثل عندهم موقف عالم الشريعة المجتهد، ويختلف بهذا عن التغريبي العلماني الذي لا صلة له بعلوم الشريعة، فيُعدّ موقف "سيد أحمد خان" موقفًا دينيًا في المقام الأول؛ ولذا يُحسب على الاتجاهات الدينية.
عاش الشيخ في بيئة تغلي بالصراع بين العلم الموروث والعلم الوافد، وكان العلم الوافد قد اشتهر عبر المدارس التبشيرية والمعاهد الإِنجليزية والشخصيات الفكرية الغربية الموجودة في الهند، في فترة كانت طبيعيات "نيوتن" وتطورية ومادية "داروين" هي البارزة في الفكر الإِنجليزي وانتشرت في الأجواء الهندية لاسيما مع المتحمسين للحضارة الغربية عبر ممثليها الإِنجليز.
لقد كانت الحضارة الغربية بحسب صورتها في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر بما في ذلك العلوم الحديثة هي قِبلة "سيد أحمد خان"، وكانت ملامسته لها