ملامسة المثقف، يعرف الأفكار الأساسية فيها دون التفاصيل، وقد انطبع عنده عنها انطباعٌ حسن فتقدمت على غيرها لدرجة أنها تقدمت على الدين ذاته.
الملفت في النموذج العصراني الهندي المنبهر بالحضارة الغربية هو الحضور الطاغي للحضارة المادية وضعف عنايته بالدين لدرجة سهولة إهماله وتقديم الفكر الغربي عليه، وكأن الدين هو العائق عن التقدم أو أن الانطلاق للتقدم لا يكون منه وإنما من غيره. قد لا يصرحون بذلك، ولكنه حال موقفهم للمتأمل فيه، والدليل على ذلك أن الحضارة الغربية بما في ذلك ما عرفته من علوم جديدة قد أصبحت مقياسًا لما يُقبل من الدين وما يردّ، إما بالتحايل عن طريق التأويل أو برده مباشرة دون البحث عن مخارج تأويلية.
وهو يختلف عن موقف الواثق بدينه، المؤمن بأنه من عند الله سبحانه، وأنه لا يأتيه الباطل، فإنه يجعل دينه مقياسًا لكل شيء، ولا يستعجل في عمليات التأويل والتوفيق إلا بعد تأكده بأنه قد فهم أصله الديني حق الفهم وفهم في المقابل حدود المعارض له في الظاهر، عند ذلك تُدرس الحلول المقترحة لمعالجة التعارض المتوهم. أما ما نجده عندهم من امتهان الدين بهذه الصورة بحيث كل ما وجدناه في الغرب يتعارض مع الدين؛ نُعمل فيه مقص التأويل، فما هذه بحال الأمة العاقلة المعتزة بدينها وهويتها.
لقد قفزت مفاهيم مرتبطة بالأفكار والعلوم الجديدة إلى منهجية "خان"، وأهمها مفهوم "الطبيعة" السائد في الفكر الفلسفي والعلمي الغربي العلماني والمادي، وأصبحت هذه الطبيعة هي نظارته للأشياء بما في ذلك نصوص الوحي، وكان التأويل هو الأداة المستعملة لتطويع النصوص لتلك الطبيعة، ويتوسع التأويل مع القوم إلى درجات الغلو بما يُشبه شطحات المتصوفة وتأويلات الباطنية، وربما كان لطبيعة انتشار تلك المناهج في بلاد الشرق الإِسلامي أثرها في اتساع شطحات القوم.
يقول "أبو الحسن الندوي" عن "أحمد خان" بأنه تزعم اتجاهًا "على أساس تقليد الحضارة الغربية وأسسها المادية واقتباس العلوم العصرية بحذافيرها وعلى علاتها، وتفسير الإِسلام والقرآن تفسيرًا يطابقان به ما وصلت إليه المدنية والمعلومات الحديثة في آخر القرن التاسع عشر المسيحي، ويطابقان هوى الغربيين وآراءهم وأذواقهم، والاستهانة بما لا يثبته الحس والتجربة، ولا تقرره