للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علوم الطبيعة في بادئ النظر، من الحقائق الغيبية، وأمور ما بعد الطبيعة" (١)؛ أي: أن الدعوة لتقليد الغرب مكونة من مكونات مشروعة دون مراعاة لأبسط شروط الهوية الإِسلامية، حتى ولو كان الأمر يوصل لإعادة النظر في القرآن والإِسلام، يريد كما يقال قصقصته ليتلاءم مع تلك الحضارة. والأخطر من ذلك أثر هذه الحضارة عليه في الاستهانة بغير المحسوس من أمور الغيب وإعادة النظر فيها أيضًا بمقياس تلك الحضارة في صورتها المعهودة في القرن الثالث عشر / التاسع عشر الميلادي.

ولتحقيق هذا المشروع قام بتفسير القرآن الكريم، ولنا أن نتخيل مراده من التفسير وهو بهذه النفسية ويحمل هذه المنهجية -النفسية المنهارة أمام ثقافة هي تتشكل وتتغير وتتطور، والمنهجية التأويلية المستسهلة لحرمة كل نص يقابل تلك الحضارة، ولنا أن نتخيل حجم الأخطاء التي سيقع فيها وسيوقع من اتبعه فيها، لقد أراد لمشروعه أن ينطلق من القرآن من خلال تفسيره تفسيرًا جديدًا يستجيب لتلك الحضارة المطلوبة، أراد "من ورائه أن يثبت أن حقائق الإِسلام وتعاليمه لا تتعارض مطلقًا مع قوانين الطبيعة؛ لأن القرآن "كلمة الله" وقوانين الطبيعة هي "فعل الله" ولا يتعارض كلامه مع فعله" (٢). ولا شك أنه سبحانه العليم الحكيم لا يقع التعارض بين كلامه وفعله سبحانه، ولكن الشر كما يقال يكمن أحيانًا في التفاصيل، فإن هذه القاعدة خلفها ما خلفها، مما يؤثر في استقرار القاعدة، ويأتي الإشكال من جهة رأيه في كلام الله سبحانه وكذا تصوره حول قوانين الطبيعة:

أما رأيه في كلام الله سبحانه فيقول "أحمد أمين" عن "خان": "وأخذ يفسر القرآن، ويدعو إلى أن القرآن -إذا فهم فهمًا صحيحًا- اتفق مع العقل، وأن النظر الصحيح فيه يوجب الاعتماد على روحه أكثر من الاعتماد على حرفيته، وأنه يجب أن يفسر على ضوء العقل والضمير. وتطرّف أكثر من ذلك، فقال: إن الوحي كان بالمعنى دون اللفظ" (٣). فإن مثل هذا الاعتقاد -المتطرف- قد يشجع


(١) في كتابه الصراع بين الفكرة الإِسلامية والفكرة الغربية ص ٦٩.
(٢) مفهوم تجديد الدين، بسطامي سعيد ص ١٢٣، وانظر: الفكر الإِسلامي وصلته بالاستعمار الغربي، د. محمَّد البهي ص ٣٧.
(٣) زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين ص ١٣٠ - ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>