لهذا الأمر لا تجدهم يشنعون على من خالف اجتهادهم أو ما يرونه أولى بالصواب، وهذه النظرية تُدرّس في المدارس، ومع ذلك لم يقف ضدها العلماء المبرِّزُون عند الأمة موقفًا مشنِّعًا، وإنما بعضهم يرى عدم ترك الظاهر إلا بدليل قطعي، وهو الأمر المتفق مع مذهبهم أنه لا يُقدم إلا القطعي، فلو ثبت أن ما قاله العلماء المحدثون قطعيًا لما حمل أحدهم آية على خلاف الحقيقة لعدم جواز ذلك، ولكن العالم إن لم يجزم بشيء فإنه يحترز من التشنيع على من اعتقد صحة هذه النظرية أو تلك، ولهذا لا نجد لأهل العلم تشنيعًا على من أخذ بالنظرية، رغم أن بعضهم يتحرج من تقديم ما دلت عليه على ظاهر النص لعدم تأكده من صحة النظرية، فهو يرى أن أغلب المسلمين إنما هم يقلدون الغربيين.
وإنني أجد من بعض المنتسبين لأهل الدين من يتقحّم هذه الأبواب العظيمة ويقطع بأن النصوص تدل على ثبات الأرض ودوران الشمس حولها، وتبديعه لمن خالف رأيه، مع أن أهل العلم المعتبرين يرونها تُدرّس في مدراس المسلمين ولم ينكروا ذلك، فلو تأكد الأمر عندهم ما سكتوا عن باطل، وإنما سكوتهم رغم تحفظ بعضهم بسبب عدم ترجح الأمر عندهم. لهذا يجدر بمن تقحم هذه الأبواب من غير أهل العلم أن يتقي الله سبحانه، فإنه قد يفتح على المسلمين من الشرور بسبب جهله أو تسرّعه أكثر مما يظن من الخير، والمعادون للدين يفرحون بمثل هذه الاجتهادات ويجعلونها دليلًا على التعارض بين الدين والعلم، والأولى بهم الاقتداء بعلماء الشريعة والرجوع إلى قواعد أهل العلم، وهذا الكلام نقوله حتى لا نترك للمخالف سبيلًا علينا، فإنه يذهب إلى بعض كتب التفاسير ويجد فيها "الإسرائيليات" و"الموضوعات" فيجعلها من الدين وينسبها له، أو يذهب إلى بعض من اجتهد وأخطأ أو أتى بقول شاذ من المعاصرين ويجعله حجة على مذهبه الباطل، والحق أحق أن يتبع، ومن أراده فلا يذهب إلى نص مكذوب أو إسرائيلي، ولا يذهب إلى قول ضعيف أو خطأ أو شاذ ويجعله حجه لمذهبه، فهو حجة عليه وليس له.
وخلاصة القول إن الآيات عن الأمور الكونية التي تحدثت عنها العلوم الطبيعية، إما أنها حدثت في الغيب، فما جاء من آيات عنها نعلم معناه ونجهل حقيقته، ولكن تلك الحقيقة ليست دائمًا من الغيب المطلق، وإنما هي من الغيب النسبي الذي قد يُمكّن الرب سبحانه بعض خلقه من المعرفة ببعض أمورها، ومثل