للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهبه المزعوم بعلميته التي تشمل كل ميادين الحياة، بينما الثاني يراها في العلوم فقط ولا يمكن الوصول إليها بغير العلم، وغيرها ليس علمًا. وغالب التيارات الأخرى تجدها إما تأخذ بالطريقة الماركسية -كليًا أو جزئيًا- أو تأخذ بالطريقة الوضعية.

ولا يعني هذا أن المناهج العلمية لو تُركت في بابها أنها سليمة من المشكلات، فالحقيقة أنه بعد نجاح العلمنة في اختراق العقل الغربي الحديث ما بقي شيء من المناهج سالمًا، ولذا فإن المناهج الناجحة في ميدانها لا يعني ذلك سلامتها من المشكلات، نوع من هذه المشكلات يتعلق بنقصها، وهذا تتكفل به عقول العلماء لتطويره، ونوع يتعلق بما هو أعلى من ذلك وأخطر؛ أي: المشكلات الأيديولوجية التي تلبّس بها المنهج العلمي الحديث، وذلك بسبب نشأته في بيئة علمانية، فانبنى على أصول وارتبط بغايات تتعارض تعارضًا بينًا مع الدين، وهذا يدل على وجود مشكلات أعمق تواجه الفكر الإِسلامي أمام هذه المناهج الناجحة، فهي رغم ما تظهر به من تقنية عالية، إلا أنها تحوي مخاطر ولاسيّما إذا كان للباب الذي تتعامل معه صلة بالدين، ولذا فينبغي إعادة تقويم تجربة التعامل مع المناهج العلمية بما فيها تلك التي تظهر بوجه حيادي، وهذه شهادة لأحد المبرزين في فلسفة العلم المعاصرة المفكر طه عبد الرحمن فيقول: "لئن سلمنا بأن المتخلق بأخلاق الدين الإِسلامي يلزمه أن يطلب الاتصاف بالعقل والعلم، فلا نسلّم بأنه يلزمه، في تحصيل هذا الاتصاف، الاندفاع في الأخذ بكل مناهج العقل ونتائج العلم التي جاء بها النمط المعرفي الحديث، ذلك أن هذه المناهج والنتائج أُشبعت، من حيث يدري المتخلق أو لا يدري، بمذهب واضعيها في العقل والعلم، ومن هنا، فلسنا نعترض على هذه المناهج والنتائج لمجرد نسبتها إلى هؤلاء الواضعين من حيث إنهم مسلمون أو غير متدينين، فذاك أمر لا يقول به عاقل؛ وإنما لأن مذهبهم فيها يقوم على مبادئ لا يمكن للمتخلّق بأخلاق الدين أن يقبلها أو يدعو إلى قبولها" (١)، وذلك أن النظام "العلمي - التقني الحديث" قد انبنى على تصور خاص للعقل معتمدًا على مكانة خاصة للتجريب والترويض فيه، "حتى طار في الناس أنه لا عقلانية إلا بتحصيل


(١) سؤال الأخلاق، طه عبد الرحمن ص ٩١ - ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>