التجريبي القائم على التجريب بطرقه وشروطه، أو إلى المنهج الرياضي القائم على الاستنباط بطرقه وشروطه، وبسبب نجاح المنهجين في الطبيعة والرياضة فقد سلك أصحاب العلوم الاجتماعية مسالك منهجية تحاكي التجريبي والرياضي لعلها تحقق نجاحه.
لقد كان من بين معالم هذه الطريقة المنهجية التجرد للحسية، ومن ثم الابتعاد عن أي باب غيبي، ومن ثم إهمال الغيب أو التكذيب به لعدم الإحساس به. ومن المعالم تعظيم السببية والحتمية والآلية الذاتية والعلية لدرجة إلغاء أي نظر لرب مباين عن العالم الطبيعي يقوم بالخلق والتدبير والتسخير والفعل والتغيير، فما هناك إلا هذا العالم المحسوس، وهو محكوم بسببية وآلية وحتمية ثابتة لا مكان للبحث خارجها عن مدبر لها أو التفكير بإمكانية أي خرق لها ولو من خالقها. كما أنها بالبحث عن السبب وإهمال الغايات تحولت لمنهجية دنيوية حسية لا تُلقي بالًا لأبواب مهمة من حياة الإنسان اهتم بها الدين. وهي تعتني بالظاهر وتبتعد عما بطن، وبهذا أهملت الجانب الداخلي للإنسان في أثناء النشاط العلمي، ورمت به لساحة الوجدان، وجعلته للفنون والآداب. وغيرها من المعالم الخطيرة التي صبغت المنهجية الحديثة، فهي في أبواب ناجحة ولكنه نجاح لم يكتمل بسبب الغلو في باب على حساب أبواب، مما جعلها في حاجة للتكميل أو التصحيح حتى تتفق مع الشرع وتلبي بتكامل حاجة الإنسان.
ويأتي الانحراف التغريبي كما العلماني في هذا الباب ولاسيّما في العلاقة بالجانب الديني بصورتين:
١ - أن تُنقل تلك المناهج من مجالها المناسب إلى مجال لا يناسبها.
٢ - أو جعل المعرفة محصورة فيما بين أيديهم ومن ثم مُصادرة كل ما لا تنطبق عليه.
وإذا بحثنا عن أفضل الأمثلة التغريبية التي تدل بصراحة على الموضوع وتحوي في الوقت نفسه كل ما سواها، نجد مثالين: التيار الماركسي للقسم الأول، والتيار الوضعي للقسم الثاني. فالماركسية تدّعي أنها مذهبٌ علميٌ، معتمدة في ذلك على شخصيات علمية ذات نزعة مادية، بينما الوضعية ترى أن العلمي فقط هو الجانب المحسوس، ونكتفي به، دون تعميم على الدين والفن والأدب، التي لا تخضع لمناهج العلم. التيار الأول يرى الحقيقة منحصرة في