للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في جانبه الإيجابي لأي نشاط علمي يحرص على معرفة صحيحة بقدر ما هو قابل للتوظيف السلبي ضد الدين والقيم والأخلاق والمبادئ، فأصبح المصطلح موطن انحراف، كما هو أداة بناء كأي مصطلح ينبت في بيئة علمانية معادية للدين.

لقد أصبحت الموضوعية رديفة للعلمية، وكأن الموضوعي هو العلمي، وتعرف الموضوعية بأنها: "سمة ما هو موضوعي -أو بحسب صليبا: وصف لما هو موضوعي- كائنًا ما كان معنى هذه الكلمة. وهي (١) بنحو خاص: موقف، استعداد فكري لدى ذلك الذي "يرى الأشياء كما هي" الذي لا يشوّهها لا بضيق فكري ولا بتمذهب أو تحزب -أو بحسب صليبا: وهي بوجه خاص مسلك الذهن الذي يرى الأشياء على ما هي عليه، فلا يشوهها بنظرة ضيقة، أو بتحيز خاص" (٢).

ويحيلنا التعريف إلى المشكلة الحقيقية للمصطلح، وهي أن الموضوعية إنما هي وصفة "لما هو موضوعي"، ولكن هذا الموضوعي تختلف فيه الفلسفات العامة وفلسفات العلم، فلا تحيلنا الموضوعية على شيء واحد، كما أنها لا تحيل على أمور متقاربة، بل هي تحيل إلى تصورات كثيرة في الفكر الحديث، وهي تصورات يصل اختلافها أحيانًا لدرجة التضاد. وقد كان هناك نوع من الاتفاق على الأقل في العلوم الرياضية والطبيعية، وكانت الحقائق الطبيعية تُعدّ حقائق موضوعية لا يمكن الاختلاف حولها، ويصعب قبول مذاهب مثالية فيها أو رؤى ذاتية حولها، ولكن مع ظهور نظرية النسبية ونظرية الكم اهتز مفهوم الموضوعية حتى في العلوم الطبيعية الدقيقة، ولا تعني الإحالة إلى النسبية إلغاء الحقائق الموضوعية في جوانب الطبيعة بقدر ما هو يعيد الاعتبار للمذاهب المنافسة لدعاة الموضوعية من أصحاب التيارات المثالية والذاتية (٣)، كما أنها تُخفف من تعصب مزاعم دعاة الموضوعية المؤدلجة، فإن من أهم رسائل


(١) غير موجودة في التعريف مضافة من الباحث.
(٢) موسوعة لالاند الفلسفية ٢/ ٨٩٦ تعريب: خليل أحمد، مع ترجمة للتعريف في المعجم الفلسفي، د. جميل صليبا ٢/ ٤٥٠ ورغم أنهما يترجمان نصًا واحدًا، إلا أن هناك بعض الاختلاف، ربما يزول ويزداد الفهم للتعريف بجمعهما، وانظر: صورتها في العلوم الاجتماعية وصورتها في العلوم الطبيعية، الموسوعة الفلسفية العربية ٢/ ١٣٠٨.
(٣) انظر مثلًا: فلسفة العلم في فيزياء أينشتين. بحث في منطق التفكير العلمي، د. عادل عوض ص ٣٠٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>