للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النظريات الحديثة في الفيزياء بأن الحقائق المادية ليست من السهولة بحيث يمكن إدراكها دون تدخل العقل في تشكيلها ومن ثم اشتراكه في رسم معالم الحقيقة (١)، إنه اشتراك حتمي بين الذاتي والموضوعي، وهو المنعطف الكبير الذي حدث للموضوعية وما زال.

إذًا فلا يوجد "موضوعي" واحد؛ لأن هناك لكل مذهب تصوره عن "الموضوعي"، كما أن وجود "موضوعي" خارجي أصبح أكثر صعوبة حتى في العلوم الطبيعية. فإذا كان هذا هو حاصل الموقف الفلسفي حول الموضوعية، فإن ذلك يفتح إشكالًا آخر حول قدرة الذهن لوحده على "رؤية الأشياء كما هي"، فإنه على مستوى التنظير الفلسفي يعد ذلك من أعقد الأمور (٢)، فإنه رغم جمال الشروط في ظاهرها من عدم إغلاق الفكر أو عدم التأثر بمذهب أو تحيز في رؤية الحقيقة إلا أنه لم يعد ممكنًا بالسهولة التي يُبديها التعريف.

تبرز في محتويات "الموضوعية" قضايا سليمة هي مطلب لكل باحث عن الحقيقة، ولذا فهي من صلب المنهج الإِسلامي، فالبحث عن الحق وقوله ولو كان على النفس، ولو جاء من أبغض الأعداء هو من مكونات المنهج الإِسلامي في الأمور المعنوية فكيف به في الأمور المادية والعلمية، بل حتى في أمور العقيدة، فلو جاء الحق من غير المسلم قبله المسلم، فعن قتيلة -امرأة من جهينة- "أن يهوديًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنكم تندّدون -قال السندي في حاشيته على النسائيُّ: أي: تتخذون أندادًا- وإنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون والكعبة، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، ويقولون: ما شاء الله ثم شئت" (٣)، قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله- حول هذا الحديث: "وفيه: قبول الحق ممن جاء به كائنًا من كان" (٤)، وقال


(١) انظر: الموسوعة الفلسفية العربية ٢/ ١٣٠٩ - ١٣١٠.
(٢) من بين الدراسات العربية الموسعة حول الموضوع ما قام به الدكتور "صلاح قنصوه" في كتابه: (الموضوعية في العلوم الإنسانية - عرض نقدي لمناهج البحث).
(٣) النسائي باب الحلف بالكعبة من كتاب الأيمان والنذور، وهو في صحيح سنن النسائي للألباني برقم (٣٥٣٣) ٢/ ٧٩٩، وقال عنه صحيح، وصححه في: السلسلة الصحيحة برقم (١٣٦).
(٤) فتح المجيد. . . .، عبد الرحمن آل الشيخ ص ٦٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>