للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه. وينتج عن هذا الاعتقاد العظيم ثقته بأنه لا توجد حقيقة علمية أو عملية تعارض آيات الله سبحانه ووحيه إلى رسله، وإن ادعى أحدٌ خلاف ذلك لم يتزلزل إيمانه ويقينه وثقته بما بين يديه من الوحي.

٢ - أن ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو حق وصدق، وكل من ادعى معارضته فهو مخالف للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعتقد في حقه أسوأ الاعتقاد، وفعله من فعل جنس معارضي الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذين قال الله فيهم: {مَا يُجَادِلُ في آيَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ في الْبِلَادِ (٤)} [غافر: ٤]، وقال -تعالى-: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوَا (٥٦)} [الكهف: ٥٦]. ويلزم منه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يبين للناس هذا الوحي حتى يتركهم لتلك المعارضات، أو أنه لبّس عليهم وهو أشنع، أو أنه على غير علمٍ بما أخبرنا به. ففيه اتهام بعدم القدرة على البيان وهو أفصح الخلق - صلى الله عليه وسلم -، أو عدم الصدق مع أمته وهو أنصح الخلق لأمته - صلى الله عليه وسلم -، أو عدم العلم واتهامه بالجهل وهو أعلم الناس - صلى الله عليه وسلم -. فكل من يزعم بوجود معارضة للوحي فهو يعارض الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويتهمه بواحدة من التهم الثلاث، وإن لم يصرح بذلك، ولكنها لازم قول من ادعى المعارضة.

٣ - أن الأدلة تتنوع، وأعلاها وحاكمها والمهيمن عليها هو كلام الله تعالى المنزل ثم الخبر عن الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -، فالقرآن الكريم قطعي الثبوت وكذا السنة "المتواترة" أما حديث "الآحاد" فمنه القطعي الذي احتفت به القرائن وتلقته الأمة بالقبول ومنه الظني، أما من حيث الدلالة فمنها القطعي ومنها الظني وذلك في القرآن والسنة، وهي تحوي الخبر المحض وتحوي الدليل العقلي والحسي، فتكون بذلك أدلة شرعية كما سبق بيانه في فصل سابق (١). وهنا يأتي ضلال من لم يتبع الهدى ويترك الوحي ولا يعتمد إلا الدليل العقلي أو الدليل الحسي ويرفض غيرهما، وما لم يدلّا عليه عندهم فلا يعدّونه من العلم، فيقع الإعراض عن الوحي بسبب هذا الاشتراط الفاسد، وقد قال {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: ١٢٤]، فتجدهم يخرجون ما دلّ عليه الوحي من دائرة العلم، مع أنه أعلى درجات العلم، فيعيشون عيشة ضنكًا.


(١) انظر: المبحث الأول في الفصل الأول من الباب الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>