للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلوم إلى مجموعة نتائج نختار أهمها مما له صلة بقضية تساؤل البحث الجوهري حول طبيعة النظرية العلمية (١)؟

فمن بين أهم التحولات الملاحظة حول طبيعة المعرفة العلمية ما يأتي: كانت روح النظرة السائدة في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر بأن النظريات العلمية هي صورة طبق الأصل عن الواقع المادي، فالمطابقة هي المفهوم الشائع آنذاك، ويتعلق بهذه النظرة أن الصواب هو ما وافقها والخطأ ما عارضها، وأوسع من ذلك إذ أصبحت هي الحق الوحيد وما عداها فباطل، فالحقيقة العلمية تمثل الحقيقة المطلقة التي لا يدخلها الشك أو الاحتمال وهي معيار الصواب والخطأ.

وعندما وضعت المعرفة العلمية -الرياضية والطبيعية- معيار الحقيقة المطلقة بدأت تصفية واسعة لكل ما يخالف هذه الحقيقة أو يتعارض معها، وكان من بين أهم التيارات نشاطًا في ذلك التيارات المادية والوضعية واليسارية.

ثم حدث ما حدث من مستجدات في أرض العلم ذاته، وأعيد النظر في كثير من المسلمات حول العلم ذاته، وبأيدي العلماء أنفسهم قبل غيرهم، فتغيرت طبيعة الصورة السابقة وانكسرت تلك المعادلة المادية، وأصبح مفهوم المطابقة غير دقيق في النظريات والمعارف العلمية واستبدل به مفهوم المواضعات أو الظاهريات.

واستُبدل به تبعًا لذلك مفهوم الحقيقة العلمية المطابقة مفهوم الحقيقة العلمية النسبية، واستبدل بالحقِ الأنفعُ، وإذا كان الصواب والخطأ يناسب مفهوم المطابقة، فإن المواضعات والظاهريات استبدلته بمناسب وأيسر وأنفع أو غير مناسب وأصعب وغير نافع (٢).

وهي تُشكل تحولات منهجية جذرية لطبيعة النظرية العلمية والمعرفة وطبيعة العلاقة بها. فالنظرية العلمية الفيزيائية مثلًا ما هي إلا مواضعات يقترحها الذهن قصد التفسير الأسهل بحسب رأي نقاد العلم، أو هي تعبير عن الظاهر الذي


(١) انظر: الفلسفة المعاصرة في أوروبا، بوشنسكي ص ٣٩ - ٤١ فقرة: أزمة علم الطبيعة النيوتني.
(٢) انظر: فلسفة العلم، فيليب فرانك ص ٤٢٧ - ٤٣٢، ترجمة د. علي ناصف.

<<  <  ج: ص:  >  >>